مستقبل العقار بالسلطنة

سالم البادي (أبو معن) *

بلا شك.. فإن قطاع العقارات في العالم يتصدر القطاعات الأخرى ويعتبر أهمها، وتتمحور أهميته في دوره التنموي وتأثيره الكبير في المجال الاقتصادي للدول، وأهميته جعلته المحرك الرئيسي والعصب الحيوي للانطلاق بالمشاريع التنموية والاستثمارية في مختلف المجالات: الاقتصادية والاجتماعية والزراعية والسياحية والتجارية والصناعية...وغيرها؛ فأصبح القطاع مصدرا مهما من مصادر الدخل ورافدا من روافد الاقتصاد الوطني، ومن خلاله يتم توفير فرص العمل لكثير من القطاعات الأخرى، وبانتعاشه تنتعش جميع مجالات الحياة الأساسية.

وفي نهاية كل سنة، تبدأ التوقعات والتصريحات والتنبؤات بمستقبل العقار من الخبراء والمختصين والعاملين والمهتمين بالعقار؛ سواء على المستوى المحلي أو العالمي؛ فهنالك من يستشرف المستقبل بارتفاع أسعار العقارات ويتوقع حدوث نهضة عقارية جديدة، ومنهم من يرى أن فقاعة عقارية تلوح في الأفق وسيصاب السوق بأزمة أخرى، بينما يرى آخرون أن السوق العقاري سيستمر في التدهور بسبب الأزمات والحروب في العالم، ويتنبأ البعض الآخر بثبات الأسعار وحركة نشطة في التداولات العقارية بسبب زيادة الطلب على العقار وقلة المعروض... وهكذا دواليك.

ويستمرُّ تضارب الآراء والتوقعات بين متفائل ومتشائم، وبين رأي ورأي آخر.

وفي العودة لقراءة وضع سوق العقار بالسلطنة خلال الـ15 سنة الأخيرة، سنجده كالتالي:

- السوق العقاري شهد انتكاسة عالمية (2007-2008) بسبب أزمة الرهن العقاري بالولايات المتحدة، وشهد تصاعدا ملحوظا عام (2011-2014) نتيجة الإصلاحات والتعديلات الوزارية ورفع الرواتب وتوحيدها فضلا عن تشغيل الباحثين عن عمل.

بينما شهد السوق انخفاضا وتراجعا في الأسعار خلال الفترة من (2014-2018) بسبب الأزمة العالمية لأسعار النفط، مع عودة تصاعد خفيف بداية 2019، بيد أنه شهد ركودا شديدا بسبب "أزمة كورونا" عام (2020-2021)؛ لينتعش تدريجيا بداية عام 2022 ويتصاعد بوتيرة جيدة وحركة تداولات عقارية نشطة؛ وذلك بفضل تحسن أسعار موارد الطاقة وتراجع تفشي الجائحة، وإنهاء الإجراءات الاحترازية للوباء .

إنَّ النظرة السوداوية الموجودة لدى البعض من أصحاب القرار أو المستثمرين أو حتى العاملين بالقطاع العقاري حول مستقبل العقار بالسلطنة، تجعلهم يعيشون في دائرة ضيقة قاتمة سوداء وارتباك وقلق شديد، فتسبب لهم هذه النظرة السلبية التذمر والإحباط حتى يتملكهم اليأس فيفقدون السيطرة على التركيز والتمعن في التفكير؛ وبالتالي تخرج قرارات سريعة غير مدروسة وليست مبنية على وقائع حقيقية، ولا تصب في مصلحة القطاع العقاري بل تزيده تعقيدا.

إن مستقبل العقار بالسلطنة في نظري يعتمد على عدة عوامل؛ منها:

أولا: الجانب التشريعي والتنظيمي؛ باعتبار أن هذا العامل مهم جدا ومؤثر، ويأتي في أولويات العوامل لإنعاش القطاع العقاري، ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار من قبل المسؤولين وأصحاب القرار بالحكومة، فضلاً عن إشراك الجهات المعنية بالقطاع العقاري في العملية التنظيمية والتشريعية؛ ومنها: غرفة تجارة وصناعة عمان المتمثلة في لجنة التطوير العقاري والمقاولات، والجمعية العقارية العمانية، والخبراء وأصحاب الشركات والمكاتب العقارية والمستثمرين. وعليه،  يجب أن يتم مراجعة تلك الأنظمة والقوانين والتشريعات بصفة دورية بما يتواءم ويتوافق مع كل مرحلة من مراحل الحياة.

العامل الثاني: يخص العاملين والمهتمين بالقطاع العقاري حول مدى إلمامهم ومعرفتهم بالمستجدات والتطورات بالأنظمة والتشريعات والقوانين المتجددة في ظل التقنيات الحديثة في إنجاز وتخليص المعاملات والتداولات العقارية، ودورهم المتمثل في كيفية مواجهة التحديات المستقبلية سواء المحلية أو العالمية، ومدى جاهزيتهم واستعدادهم لاستخدام التقنيات الحديثة؛ مثل البرامج والتطبيقات الإلكترونية للوصول إلى الحكومة الإلكترونية المتكاملة في جميع أقسام وأعمال القطاع العقاري المختلفة.

العامل الثالث: هو العامل التثقيفي والمعرفي لدى المستثمرين بالقطاع، وتفعيل دور العاملين بالقطاع في عمليات الترويج والتسويق والتحفيز والتشجيع في تنشيط عمليات التداولات العقارية والاستثمار والتطوير العقاري، وذلك حسب المعطيات والمستجدات والتحولات على أرض الواقع وما تقتضيه مصلحة القطاع العقاري لكل مرحلة زمنية.

 العامل الرابع: "التمويل العقاري من أجل جذب وتشجيع وتحفيز الاستثمار والتطوير العقاري، وهذا العامل يشترك فيه القطاعان العام والخاص، ويتمثل في دور الحكومة حول إزالة جميع التعقيدات وتطوير خدماتها في تبسيط وتسهيل وسرعة تخليص جميع المعاملات والإجراءات للمستثمرين، ومن جانب آخر على القطاع الخاص دور مهم والمتمثل في دور البنوك التجارية والشركات التمويلية حول تسهيل إنجاز معاملات التمويل ومنح القروض الاستثمارية، مع توفير السيولة النقدية، فضلاً عن تخفيض سعر الفائدة تشجيعاً وتحفيزًا لاستقطاب المستثمرين، بغية عودة نشاط السوق العقاري.

وفي هذا المقام، نودُّ أن نؤكد للمسؤولين بالحكومة الرشيدة والقطاع الخاص المتمثل في البنوك التجارية المحلية على التركيز في إيجاد حلول وأفكار "خارج الصندوق" بمعنى أنها ليست أفكارا تقليدية ومتكررة، بل نطمح لإيجاد أفكار جديدة ومتطورة حتى تتواءم مع التطورات والمتغيرات العالمية الحديثة، وتكون مشجعة ومحفزة لاستقطاب الاستثمارات.

ونُدرك ونعي جيدا الدور الكبير الذي تقوم به الحكومة بسبب الإنفاق الكبير لتقليل الخسائر التي تسببت بها الأزمات العالمية، وما زالت التحديات قائمة ومستمرة، وهذا ما جعل من الصعب على الحكومة أن تستمر في إسهامها لتمويل المشاريع العقارية.

وفي هذا العهد الميمون الزاهر والنهضة المتجددة المباركة لسلطنة عمان بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، ومع الهيكلة الجديدة للحكومة الرشيدة، والرؤية الرشيدة لجلالته حفظه الله من خلال رؤية "عمان 2040" نستشرف غدا مشرقا للقطاع العقاري بالسلطنة بإذن الله تعالى، لتستعيد سلطنة عمان ثقة المستثمرين؛ حيث ثبتت الإحصائيات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات لشهر يونيو 2021، والتي تفيد بأنَّ قطاع العقارات في السلطنة شهد انتعاشا قويا؛ حيث أشار إلى أنَّ قطاع الخدمات العقارية أدرج من ضمن القطاعات الأفضل أداء في السلطنة وارتفع بنسبة 21% خلال الأشهر الستة الأولى من العام مقارنة مع نفس الفترة من العام السابق.

ولهذا.. لغة الأرقام الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات تبشر بمستقبل واعد للقطاع العقاري للعام القادم 2023م بإذن الله تعالى.

* الرئيس التنفيذي لشركة دنيا المال العقارية