حتى لا تضيع الهُوية

د. سالم بن عبدالله حواس العامري

* دكتوراه في فلسفة التربية

إنَّ أساس تقدم الأمم وتطورها يستند إلى هويتها وتاريخها، والمقصود بالهوية مجموع الصفات والسمات والتاريخ التي تمتلكها كل أمة والتي تميزها عن الأمم الأخرى.. وتُعد الهوية الإسلامية التي هي مصدر هويتنا الوطنية والتي أكد عليها دستور البلاد، وسعى لتثبيتها والمحافظة عليها على مدى العصور والأزمان، من المُسلمات والغايات التي ينبغي المحافظة عليها وترسيخها في نفوس الأفراد والمجتمعات، والوقوف ضد كل المحاولات التي تسعى إلى ضياعها أو تفكيكها، ولابد من التفريق بين ضياع الهوية للأفراد وبين ضياعها في المجتمعات؛ فنحن بصدد الحديث في هذا المقال عن ضياع الهوية للأفراد الذي بدأت تظهر علاماته في بعض الشباب بسبب توجههم نحو تقليد الأفكار الدخيلة، والتي تتعلق بنظم الحياة والانبهار بها وبالذات المظاهر الخارجية الشكلية نتيجة تأثرهم ببرامج التواصل الاجتماعي، وما يفرزه الإعلام الجديد من تزييف الوعي وإفساد العقول وانتهاك القيم والخصوصية الثقافية للمجتمعات بُغية إثارة الأفراد وإعادة تشكيل اتجاهاتهم وسلوكياتهم في خطاب جذاب، شكلاً ومضموناً؛ لاستثارة عقولهم بما يخدم مصالحهم وغاياتهم الهدامة مصداقاً لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ وَذِرَاعًا بذِرَاعٍ حتَّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ".

ومن مظاهر ضياع هذه الهُوية انتشار مشاهد التمييع والانسلاخ والغلو، خصوصاً بين فئات الشباب والتي تعتبر قوام هذه الأمة وعصبها الرئيسي، ونشر الانحلال الأخلاقي والعزلة الأسرية، والعنف والجريمة، والترغيب بالممنوعات، وتقليد قصات الشعر واللباس والتفوه بعبارات خادشة للحياء ونشر محتويات هابطة...وغيرها الكثير من المظاهر التي تخالف معتقدات وقيم الثقافة الإسلامية السمحة التي عجَّت بها معظم مواقع التواصل الاجتماعي.

ولعلَّ من أبرز الحلول لتفادي هذه الهجمات المسعورة على هويتنا الإسلامية أن نزرع بذورًا صالحة تستطيع أن تقاوم عواصف التغيير ولديها الوعي الكافي بالعقيدة والثقافة الإسلامية والانتماء للدين والوطن قولاً وفعلاً، فإذا لم نزرع هذه البذور ستنبت نبتات مشوهة لن نستطيع تقليمها أو تحسينها مهما بذلنا من جهود أو مكافحة، قال تعالى: "صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ" (البقرة:138).

وللمؤسسات التعليمية الدور الكبير أيضًا نحو تعزيز الهوية الإسلامية من خلال التركيز على المناهج الدراسية التي تغرس قيم الهوية الإسلامية في عقول وقلوب الناشئة في المدارس، كما ينبغي على جميع المؤسسات والجهات المعنية بالثقافة والإعلام المشاركة والتعاون نحو تبني برامج وطنية خاصة بترسيخ الهوية الإسلامية في ظل التحولات الاقتصادية والثقافية والانفتاح على الثقافات الخارجية المتنوعة.

تعليق عبر الفيس بوك