أرجوكم.. لا نريد أن نموت غرقى!

مدرين المكتومية

يعيش العالم طفرة صناعية هائلة، وبقدر ما أوجدته من إيجابيات تنموية، إلا أنها ألقت بثقلها على واقع المناخ من حولنا: احتباس حراري، وزيادة في درجة حرارة الأرض، أمطار في غير مواسمها، أمواج بحر هائجة، ورياح تنتزع ما أتت عليه بلا أدنى رحمة، ناهيك عن التغيرات التي حوَّلت مناطق آمنة إلى بؤر زلازل، وتسببت في تهيُّجات بؤر بركانية كانت لسنوات -بل لعقود- خامدة.

وهنا في عُمان.. لسنا ببعيدين عن هذه التأثيرات، فما نعيشه هذه الأيام وما قبلها من هطول غزير للأمطار ونزول للشعاب وجريان للأودية، مع تنامي تشكل الكتل السحابية الواحدة تلو الأخرى، جميعها انعكاسات لما تشهده الأرض من هذه التغيرات المناخية.

ولكن ما هي قصة التغير المناخي؟ ومتى بدأت؟ وإلى أين ستصل بنا؟ فمنذ أن بدأت الأمم المتحدة والمنظمات المعنية بالبيئة مناقشة التغير المناخي والعالم يُسارع خطاه الحثيثة لاحتواء هذه الظاهرة التي تهدِّد بمخاطر أعلى بكثير مما قد نتخيله؛ فالأمر لا يتوقف فقط عند هطول أمطار غزيرة، أو موجات تسونامي، والتي في معظمها قد تكون مُدمِّرة بالفعل، وما "جونو" و"فيت"، وما تلاهما منا ببعيد، إلا أنَّ المخاطر الحقيقية تكمن في زيادة درجة حرارة الأرض والذي قد يهدد باختفاء أجزاء كبيرة من اليابسة نتيجة ذوبان الجليد؛ فذوبان الجليد هو الخطر الداهم للبشرية جمعاء.

المؤتمرات التي تعقدها الأمم المتحدة؛ ومنها مؤتمرات "كوبا" للمناخ، والمؤتمر الذي سيُعقد في مصر نوفمبر المقبل، جميعها قد تُسهم في تعزيز محاولات حماية كوكبنا من الاحتباس الحراري، لكن الأهم والأكثر جدوى هو أن تتكاتف الجهود من أجل خفض الاحتباس الحراري؛ وذلك يستدعي إجراءات عدة؛ أبرزها: تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وزيادة استخدام الطاقة المتجددة الصديقة للبيئة.. وهنا أثمِّن لبلادي عُمان مساعيها الجادة بين الدول الواعدة في استخدامات الطاقة المتجددة وخاصة طاقة الهيدروجين الأخضر، ليس فقط من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية للبلاد، ولكن من أجل الوفاء بأمانة تسليم هذا الكوكب للأجيال المتلاحقة آمنا نظيفًا من كل ضرر. كما أنَّ محطة الطاقة الشمسية في عبري وغيرها من المحطات في محافظات أخرى، وطاقة الرياح في ظفار، كلها جهود واعدة ستُسهم في توفير الطاقة النظيفة والمتجددة لكل أنحاء السلطنة، بل ويُمكن لنا أن نصدر الفائض منها.

النقطة الأخرى المهمة أنه يتوجب على الدول الصناعية الكبرى أن تتوقف فورًا عن الاستخدامات الضارة بالبيئة، وأن تقوم الدول الغنية بتمويل مشروعات الطاقة المتجددة في مختلف دول العالم، فهذا هو واجبها الأخلاقي والدولي في إطار الجهود العالمية لمحاربة التغير المناخي.

لقد بات من الضروري حقًّا أن تقوم الجهات المعنية بكل ما يلزم من إجراءات للتعامل مع الأنواء المناخية؛ فلا يعقل أنه في كل مرة يحلُّ بسمائنا منخفض جوي، نجد أنفسنا نغرق ومنازلنا، وممتلكاتنا تدمَّر نتيجة لعدم وجود سدود حماية كافية، أو أن سدود الحماية القائمة الآن قد مر عليها فترة طويلة من الزمن، وتحتاج إلى إعادة تأهيل وإصلاح وصيانة...وغيره، وعندما نتحدث عن سدود الحماية، فإننا ندعو القطاع الخاص والبنوك والشركات الكبرى للمساهمة بصورة أكثر فاعلية في مثل هذه المشروعات؛ فالاستثمار الاجتماعي لا يجب أن يتوقف عند تقديم جوائز في مسابقات مختلفة، ولا يجب أن يتوقف عند الحقائب المدرسية، ولكن يجب أن يمتد للمشاريع التنموية، وهذا ما أكدنا عليه في "منتدى عمان للشراكة والمسؤولية الاجتماعية" في دوراته المتعاقبة؛ أن يتحول الاستثمار الاجتماعي إلى استثمار تنموي؛ فالدولة لن تستطيع أن تقوم بكل شيء وحدها، ولن تستطيع أن تبني كل هذه المشاريع، حتى إذا أقصينا الظروف الاقتصادية الراهنة جانبا، فاستمرار الدور الأبوي للحكومة شيء غير منطقي، ويتوجب على القطاع الخاص القيام بتوجيه مُخصصات مالية للمساهمة في صون وحماية المناخ والبيئة.

مطلب آخر مُلحّ، وهو تكثيف الجهود للتوسع في بناء سدود الحماية من الأمطار على الأقل في المدن الرئيسية، وشبكات تصريف، مع إطلاق الحملات الوطنية التوعوية، لتعزيز الوعي بمخاطر عبور الأودية؛ فالأمر لا يكفي أن تنتشر القوات الشرطية في الشارع وتكليفهم بأعباء جسام، بل على الجميع ضرورة المساهمة في الارتقاء بالوعي الجمعي في هذا الجانب.

وختاما.. تبقى مناشدتي مرفوعة إلى قادة وزعماء العالم الذين سيجتمعون في مصر في نوفمبر المقبل، ضمن أعمال مؤتمر المناخ العالمي، تحت رعاية الأمم المتحدة، بضرورة اتخاذ قرارات حاسمة وسريعة تحمينا جميعا من مخاطر الاحتباس الحراري والتغير المناخي، تحمينا من مخاطر الفيضانات والأمطار الغزيرة، صحيح أنها ثروة مائية مهمة لسلطنة عمان، ولكن هناك خسائر ودمار يفوق بكثير المنافع التي قد نحققها من توافر المخزون المائي، وإنني أوجه الدعوة صادقة إلى كل المسؤولين في بلدنا العزيز وفي حكومتنا الرشيدة ومؤسسات القطاع الخاص، بأن تتكاتف جهودهم للقيام بمسؤوليتهم تجاه هذا الملف الخطير.. إنها مسؤولية وطنية كبرى يجب أن يتصدى لها أصحاب الهمم والمخلصين من أبناء الوطن، وهم كثر ولله الحمد.