الصين والولايات المتحدة - عقلية الحرب الباردة

تشو شيوان *

منذ أن تأسست جمهورية الصين الشعبية عام 1949 وهي ملتزمة بمبادئ السلام والتنمية، ولا يذكر التاريخ أية محاولات للصين لفرض هيمنتها أو سلطتها على أي أحد، بل كانت دائما ملتزمة بالتعاون الدولي، وحتى إنها لم تبدِ أية آراء سواء سلبية أو إيجابية حول أي قضية تخص شعبا أو عرقا أو دولة بل كانت ومازالت تنظر للشؤون الداخلية على أنها شؤون لا يمكن تحديد مصيرها إلا بواسطة شعب وحكومة هذه الدولة، ولكن خلال السنوات القليلة الماضية بات الكثيرون يقحمون الصين في خلافات ومسائل سياسية واقتصادية لا تريد الصين أن تكون طرفًا فيها، فالتركيز الصيني على التنمية الداخلية وتحسين حياة الشعب الصيني وهذا ما أنجح خطط التنمية المستدامة للصين وجعل منها نموذجًا يحتذى به في هذا الجانب.

على الجانب الآخر هناك من يروج لفكر الحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة، حرب ستجمد العالم أجمع فالعالم يعاني الآن الأمرّين؛ أزمات سياسية لا حل لها، وأزمات اقتصادية وركود وتضخم غير مسبوقين والوقت ليس مناسبا البتة لأن يتم تضخيم مفهوم الحرب الباردة وربطه بأي تطورات بين الصين والولايات المتحدة خصوصًا وأن العلاقات بين البلدين متوترة جدًا منذ أن أعلنت الولايات المتحدة حربها التجارية على الصين، وبعيدًا عن كوني مواطنًا صينيًّا إلا أن الحقيقة تقول بأن صعود الصين أتى بالخيرات الكثيرة للعالم، ووفر فرصًا اقتصادية كبيرة وأخرج المليارات من دائرة الفقر والجوع.

 

ما يجب أن نعلمه جميعًا أن مفاهيم العصر تغيرت، وأقطاب العالم تغيرت وتغيرت معها موازين القوى والتأثير والقدرة العسكرية والسياسية والاقتصادية، والصين اليوم بات لها ثقل ووزن في جميع هذه الأمور، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل الصين ولا حتى تجاهل صعودها النامي، ومع كل هذا يجب أن لا ننسى أن الصين لم تطلق رصاصة واحدة تجاه أي أحد، ولم تهدد ولم تتدخل بأي شخص وهذه نقطة إيجابية هامة تحسب للصين وتوضع في رصيدها، وعلى العالم أجمع أن يعي هذه النقطة بدلاً من الترويج لمفاهيم الحرب الباردة والنزاعات الاقتصادية والسياسية بين الصين والولايات المتحدة.

من يتابع الساحة السياسية فسيجد وبكل وضوح أن هناك تصرفات وتصريحات من الجانب الأمريكي يمكن اعتبارها ووصفها بالمستفزة للصين، والبعض منها يعتبر اختراقًا صارحًا وواضحًا للسيادة الصينية، والصين لن تسمح بهذا أبدًا، ولطالما دعت الصين الولايات المتحدة أن تتوقف عن هذه الممارسات التي تؤثر على استقرار الصين وتقوض الأمن والسلم العالميين.

عند الحديث عن مشاريع الصين الفضائية فهي مشاريع لبناء مستقبل الصين وليس لمنافسة الولايات المتحدة أو السباق معها في هذا المجال، وعندما نتحدث عن التقدم العلمي والتكنولوجي الصيني فهذا أيضًا لا يعني الوصول لنقطة الحرب في هذا المجال، وحتى عندما أوجدت الصين لقاح فيروس كورونا المستجد فهذا لا يعني أبداً أن الصين تريد أن يكون لها موضع قدم في القضاء على الفيروس إنما يمكن النظر لهذا الأمر من زاوية مغايرة ألا وهي أننا جميعًا نعيش على هذا الكوكب ومن الواجب أن نتشارك الخبرات والدراسات للخروج من هذه الأزمة والقضاء على الوباء، ولكن للأسف هناك من يريد أن يقارن بين الصين والولايات المتحدة حتى في هذا الجانب.

 

عقلية الحرب الباردة وعقلية النزاعات مهما كان شكلها وحجمها يجب أن تنتهي في أسرع وقت ممكن فالتوترات في هذا العالم كثيرة، وأينما ذهب شمالاً وجنوبًا، شرقًا وغربًا ستجد فتيل الحرب قارب على الاشتعال، ولكن مازال البعض يتجاهل هذا الأمر ويريد للعالم أن يشتعل أكثر، وهنا أوجه سؤالًا حازمًا لهؤلاء الأشخاص ولمثل هذه العقليات سواء من السياسيين أو من بعض وسائل الإعلام؛ ألم تدرسوا وتتعلموا من الحروب العالمية الأخيرة والتي دمرت العالم وقتلت الملايين؟ باعتقادي أن جيل هذه الأيام لم يحس بمعاناة الجيل السابق الذي عانى من الويلات جراء الحروب الطاحنة، ولا نريد كبشرية تكرار نفس المشهد، ولهذا أوجدت الصين مفهومًا خاصًا؛ مفهوماً قائمًا على المصير المشترك للبشرية، مفهومًا يؤمن بأن مصيرنا مشترك مهما اختلفنا ومهما اختلف معنا فكرنا وعقيدتنا ولوننا وجنسنا وجنسيتنا.

إن التخلي عن مفهوم الحرب الباردة سيجنب العالم الكثير من المشاكل، ويحمي الأرواح ويدعم الاقتصاد ويدفع التنمية بكافة جوانبها واتجاهاتها، وهذه دعوة الصين للولايات المتحدة وغيرها من الدول، أن تعملا سويًّا بدلًا من التقارب والتواجه والتصارع والتحارب، وعاجلاً غير آجلٍ، يجب أن نؤمن بأننا نواجه أصعب الظروف في عصرنا الحالي، وعلى الولايات المتحدة أن تفهم وتعي وتقدر حجم الصين وقدراتها على جميع الأصعدة وأن تخفض من حدة مناوشاتها؛ فالعالم ليس حملاً لا لحرب تجارية ولا لحرب باردة ولا لأي نوع من التوتر السياسي ولا الاقتصادي.

كما قلت في بداية المقال بأن الصين ملتزمة بالتنمية والسلام العالمي، ولا تريد أن تضع نفسها لا منافسًا لها ولا عدوًا لأي أحد بل تسعى لبناء مجتمع دولي متعدد الأطراف يخلق الاتزان لهذا العالم، ويوجد ما عجز عن إيجاده نظام القطب الواحد، وهذه دعوة مفتوحة من قبل الصين وإلى حين أن يعي الجميع هذه المفاهيم، نأمل أن يسود العالم قليل من التهدئة والخروج من جميع الأزمات بسلام.

تشو شيوان

* صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية ـ العربية