السيارات الكهربائية.. لماذا يذهب الجميع للصين؟!

مؤيد الزعبي *

لاحظنا خلال السنوات القليلة الماضية، اتجاه الكثير من شركات السيارات العالمية للصين لتصنيع سياراتها الكهربائية، وعلى رأسهم العملاق الأمريكي "تسلا"، والذي أنشأ مصنعًا ضخمًا في الصين عام 2020، ولو ذهبنا لأسواق السيارات سنجد سيارات كهربائية تحمل علامات تجارية مشهورة ومرموقة قد تم تصنيعها في الصين، وأينما ذهبت في أي مكان في العالم تجد تلك السيارات، وكأن الصين أصبحت مصنع العالم للسيارات الكهربائية، فلماذا يذهب الجميع للصين لتصنيع سياراتهم؟ وما هو الموجود بالصين ولا يمكن إيجاده في أي دولة أخرى؟

حسب إحصائيات صدرت بنهاية العام 2021، فإن الصين تستحوذ على ما يقارب الـ60% من سوق تصنيع السيارات الكهربائية في العالم، ويوجد في الصين أكثر من 321 ألف شركة لصناعة السيارات الكهربائية.. رقم كبير جدًا في صناعة تُعتبر حديثة وجديدة على العالم، ودعونا نعود عدة سنوات للوراء ونكتشف ما الذي حدث؟ خلال العشر سنوات الماضية قامت الصين بدعم السيارات الكهربائية بداخلها، حيث إنَّ هناك خطة صينية أن تكون 20% من السيارات الجديدة المباعة مركبات طاقة جديدة بحلول العام 2025؛ مما شجع الكثير من الشركات على الدخول لهذه الصناعة بمختلف مراحل التصنيع؛ مما مكن الصين وطور قدراتها في هذا المجال بشكل لافت، وأيضًا جعل الشركات العالمية تريد المنافسة على السوق الصيني والذي يعد الأكبر عالميًا.

ومن بين أهم الأسباب لتوجُّه الشركات العالمية للصين هو: وجود شركات عملاقة لتصنيع بطاريات الليثيوم، والتي تعتمد عليها السيارات الكهربائية بشكل أساسي، ولعلك لا تعرف عزيزي القارئ أنَّ شركة مثل شركة كاتل (CATL) الصينية تُعد أكبر شركة تصنيع بطاريات ليثيوم في العالم، وأكبر مورد لبطاريات السيارات الكهربائية للعديد من الشركات مثل هوندا وهيونداي وبي.إم.دبليو وديملر وتويوتا وفولكس فاجن وفولفو وكيا وجنرال موتورز، وتستحوذ الشركة على ما يعادل 32.6% من سوق السيارات الكهربائية في العالم، ولك أن تتخيل أن القيمة السوقية للشركة تصل لـ176 مليار دولار أمريكي، وأرباح الشركة سنوياً تصل لما يقارب الـ7.7 مليار دولار، ومن المتوقع أن تتضاعف هذه الأرباح خلال السنوات القليلة المقبلة، ووجود شركات متمرسة في صناعة البطاريات من أهم الأسباب التي جعلت العالم يتجه للصين لتصنيع السيارات الكهربائية.

لقد عرفنا عن الصين أنها مصنع للعالم، وأن لديها قدرات إنتاجية هائلة، ولديها قوى عاملة تمتلك الخبرات في التصنيع، وهذا سبب مهم جعل الجميع يتجه للصين لتصنيع سياراتها الكهربائية، خصوصًا في وقت يعاني فيه سوق السيارات العالمي من أزمة في التصنيع والتوريد وأزمة في الرقائق الإلكترونية، وعلى عكس ما تُعاني منه المصانع حول العالم من عدم قدرتها على تخريج السيارات من مصانعها، بسبب عدم وجود رقائق إلكترونية، وجدنا سوق السيارات العالمي يغرق بالسيارات المصنعة في الصين، وهذا ما سيجعل المزيد من الشركات تتجه للصين لحل إشكالياتها في الإنتاج والتصنيع.

وبوجهة نظري، أنَّ مستقبل السيارات الكهربائية، ومن سيستحوذ على النصيب الأكبر منها، سيعتمد على عاملين مهمين؛ أولًا: القدرة على توفير سيارات منافسة وتتمتع بجودة في التصنيع والاستخدام، والعامل الثاني: القدرة على توفير أسعار منافسة لهذا القطاع المستقبلي، والصين قادرة على توفير هذين المطلبين، خصوصًا وأن هناك 3 شركات صينية من بين أهم 5 شركات تصنيع السيارات الكهربائية في العالم؛ وهي شركة نيو (NIO)، وشركة إكس بينغ (XPeng)، وشركة لي أوتو (Li Auto)، وصحيح أن هذه الشركات لم تخرج لجميع دول العالم، لكنها بدأت تنتشر بشكل لافت داخل وخارج الصين، وعليكم أن تتذكروها جيدًا فسنجدها قريبًا في جميع الأسواق؛ فلو استعرضت إنتاجات هذه الشركات فستجد أنها تمتلك الجودة والتقنيات المتقدمة، وستجد أنَّ أسعارها مناسبة للسوق ومنافسة بشكل قوي.

مُستقبل السيارات سيختلف تمامًا عن التاريخ، ونحن اليوم أمام نقطة فارقة، فكل تلك العلامات التجارية في سوق السيارات أمام معضلة لم تمر بها من قبل؛ ألا وهي: أين ستكون توجهاتها المستقبلية في ظل سوق ومتطلبات متغيرة تمامًا؟ وللإجابة عن هذا السؤال، ستجد أنها بحاجة للتوجه نحو السيارات الكهربائية، أو تلك التي تعمل بالطاقة المتجددة، ولكي تدخل هذا السوق عليك أن تبني عقلية جديدة للإنتاج، وتُغير جميع أدوات التصنيع لديك، وهذا التحول ليس بالأمر السهل، ولهذا أجد أن الإجابة عن هذه النقطة وضمان عملية التحول دون الإضرار بحصة الشركة من سوق السيارات يتطلب التوجه للصين، وهذا ما فعلته الكثير من الشركات؛ حيث أبقت على مصانعها التقليدية لتصنيع سيارات البنزين والديزل كما هي عليه، وذهبت للمصانع الصينية لإنتاج خط إنتاج مختلف معتمد على السيارات الكهربائية؛ لذا وجدنا علامات عالمية مثل فلوكس فاجن، وميتسوبيشي وبي.إم.دبليو وليكزس لديها سيارات كهربائية تم تصميمتها وصناعتها بشكل منفصل داخل الصين، وهذه الطريقة هي الطريقة الأضمن والأسلم لعملية التحول.

ولكي ألخص لكم الأمر؛ فإن الصين ستهيمن على سوق السيارات الكهربائية في قادم السنوات، بداية من قوة سوقها الشرائي والذي سيتحول تدريجيًّا للسيارات الصديقة للبيئة، وثانيًا لقدراتها الإنتاجية وقوة شركاتها ومصانعها وتميزها في هذه الصناعة المستقبلية، وثالثًا لقدرات الصين وتطور قواها العاملة في مجال الابتكار والبحث وإدخال تكنولوجيا متطورة لعالم السيارات، ورابعًا وأخيرًا لتوفير الصين تكنولوجيا متقدمة وقوة انتاجية ضخمة بأسعار مناسبة ومنافسة للسوق، وهذا ما يجعل العالم يتجه للصين لإنتاج السيارات الكهربائية، وهذا ما سيجعل علامات تجارية صينية تظهر لنا بقوة في قادم السنوات.

* المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط