دور الإعلام في ظل المُتغيرات الجديدة

حمد الناصري *

تُطلق كلمة الإعلام على أية وسيلة أو تقنية تجارية، سواء كانت ربحية أو غير ربحية، رسمية وغير رسمية، ومُصطلح "الإعلام" عبارة مُتداولة، تهتم بنشر الأخبار ونقل المعلومة ونشرها حول مُختلف قضايا المجتمع، وقد تعدَّدت وسائل نقل المعلومة الحديثة ونشر الخبَر، إلى أنْ انتهت إلى مواضيع الترفيه والتسلية وأفْرزت لها برامج إخبارية ومادة دعائية وترويجية. وبالأخص بعد الثورة المرئية، وانتشرت هذه الوسيلة إلى أبْعد الحدود؛ فالتليفزيون ثورة إعلامية تخطّت وسيلتها كل وسائل الإعلام ما قبلها، كالفنون والمسرح والدراما والسينما والصُحف، والتليفزيون ثورة تكنولوجية أدارها الإعلام بعناية واهتمام بالغ حتى أُطلق عليها السلطة الرابعة؛ نظراً لتأثيرها العميق وانتشارها الواسع، وكان من أهم وسائلها الديمقراطية، وتكوين الرأي العام وتنشيط الرقابة النقدية من خلال نشر الأخبار وتوظيف المعلومة لصالح الإعلام، تلك المعلومة التي يَجهلها المُتلقي؛ ثم ظهر بعد ذلك ما يُعرف بالإعلان التجاري والتسويق والدعاية والتواصل مع الجمهور، ووصولًا إلى ما يُعرف بالتواصل السياسي.

وفي بداية القرن الـ20 ظهر الإعلام الترفيهي، وانتشر الترفيه بصورة واسعة؛ مثل: المسلسلات والموسيقى والرياضة والقراءة العامة، كما ظهرتْ في نهاية القرن الـ20 الفيديوهات والتسجيلات وألعاب الحاسوب، وازدادت وسائل الإعلام في العصر الحديث وتعدّدت عبر ما يُعرف بالإنترنت، ومن خلال مواقع وسائل التواصل الاجتماعية الحديثة؛ مثل فيسبوك وواتساب وتويتر، وعبر تدفّق هائل للمعلومات، احتدَّت الحوارات واختلفت الآراء وتعدَّدت أُطرها الفكرية، وظهر الإعلام في ظل قوة انتشار وباء كورونا وعُبوره حدود الدول، وشغل بال الحكومات والمنظمات والأفراد في كل مكان حول العالم.

كما سعتْ الصحافة عبر وسائل الإعلام المُتاحة مرئية ومسموعة ومقروءة ووسائل تقنية حديثة كبرامج التواصل الاجتماعي...وغيرها من البرامج، إلى تعزيز حق الجمهور في المعرفة، وتمكينه من تحديد الموقف الذي يُناسبه من بين زوايا التغطية الصحفية واتجاهاتها، مع الحرص على عدم إحداث انتهاكات جسيمة قد تلحق بالأفراد أو المجتمع أو المصادر.

ولا ريب، أنَّ وضع مبادئ ومعايير أخلاقية يتعهدها الصحفيون ومؤسساتهم بالرعاية والاحترام والتطبيق على المستوى الفردي والجماعي، بدءًا من تخطيط المحتوى الإعلامي وإنتاجه، واتخاذ القرار بنشره، بما يُسهم في تعزيز الثقة بين الجمهور والصحافة، وما يُحقق الصالح العام، مُستمدّة من المبادئ والمعايير الأخلاقية ومن القِيَم الدينية والثقافية والأعراف الراسخة للمُجتمعات والأمم.. وتلك المعايير الأخلاقية مُهمة لتطوّر العمل الصحفي، ومن الضروري تكوين تجارب صُحفية مؤسسية تنسجم مع التجربة الشخصية للصحفي ويَنعكس تأثيرها على المادة الإعلامية.

ويرى الكاتب الصحفي جوزيف بوليتزر المجري الأصل والناشر بـ"النيويورك ورلد" ورئيس تحريرها، في أوائل القرن العشرين "أنَّ كل ذكاء في حاجة إلى من يتعهده، حتى لو سلمنا بأنَّ الاستعدادات الطبيعية هي مفتاح النجاح، في جميع ميادين النشاط الإنساني، وأن الصفات الخلقية، وهي لازمة للصحفي الناجح. تنمو بالعلم والتجربة". ويُشير جوزيف كذلك إلى "أن الصحافة هي أكثر المهن حاجة إلى أوسع المعارف وأعمقها"، وتساءل: "هل يصح أن تُترك هذه المهنة، ذات المسؤوليات الكبيرة، تُمارس من دون أي تأهيل مُنتظم".

وقد تخلّلت تلك الجهود والتجارب إرهاصات ومحاولات جادة لوضع مواثيق شرف مُنظّمة ومكتوبة ترجع لأكثر من مئتي عام. وعلى سبيل المثال: أصدر نادي الإعلاميين في السويد سنة 1874، ميثاق شرف صحفيًّا اختصَّ بتلقي ونظر شكاوى الجمهور ضد ما تنشره الصُحف، وتلتها عدة مواثيق شرف للصحفيين وللمؤسسات الإعلامية في فرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، ثم انتقلت إلى دول أخرى حول العالم.

وقد سُخِّرت جهود كبيرة لمكافحة الدعايات المُضللة والصحافة اللاأخلاقية، حتى برزت مُبادرة الاتحاد الدولي للصحفيين في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي بتأسيس "المحكمة الدولية للشرف"، لتكون مُختصة بتلقي ونظر شكاوى الجمهور ضد الصحفيين الذي يقومون بالدعاية للحرب والدعوة للكراهية العنصرية والتحريض عليها. لكنها، وللأسف لم تر هذه المحكمة النور بسبب نشوب الأزمات والصراعات في أوروبا، فصوّب قادة الاتحاد جهودهم نحو ابتكار ميثاق أخلاقي عالمي تلتزم به النقابات الوطنية الأعضاء في الاتحاد الدولي للصحفيين، ليكون على أرض الواقع وبالفعل أَطلق الاتحاد في العام 1954 "إعلان مبادئ عالمي لمُمارسة مهنة الصحافة"، الذي جرى تعديله في المؤتمر العام للاتحاد في العام 1986. وتبنته نقابات واتحادات الصحفيين حول العالم باختلافات خلفياتها الثقافية والفكرية والقانونية.

ولأجل تعزيز وحماية حرية الصحافة التي تُشكّل في حاضرنا الهوية القانونية والقضائية، فتحمي حقوقنا عندما تُنتهك، ومن أبرزها: المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، والتي تناولت حرية الرأي والتعبير: "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود". وعلى ضوء سِياق المادة 19 التي ضمنتْ حرية التعبير عالمياً وبموجب ميثاق دولي تاريخي، أسوق كلامي وفي نفسي شعور مُؤلم، فما تحدثت عنه الصحافة المحلية بعناوين ومانشيتات حول قضية الصحفي المختار الهنائي وردود أفعال ناشطين حقوقيين ومُغردين في بعض مواقع التواصل الاجتماعي في السلطنة، وشملتْ ردود الأفعال عبر تلك المواقع، حملة تضامن مع الصحفي المختار الهنائي، وبحسب ما تداولته الأخبار، عن رفع دعوى قضائية ضده بشأن نشره خبراً عن قضية فساد في صحيفة "أثير" الإلكترونية، وتصدّر وسم "كلنا المختار الهنائي"؛ تعبيراً عن تضامن الناشطين الحقوقيين والمغردين، والشارع الصحفي، حول قضية الصحفي المختار الهنائي.. وسؤال صاخب يدور في بالي ويُطنطن بقوة: فهل نحن جميعاً كمُواطنين وصحفيين وحقوقيين وأدباء وكتاب ومؤرخين وباحثين، صحفيون بالفطرة أم يتملّكنا هاجس القضايا الأكثر شُهرة، أو كما يُقال، يُثيرنا فضول قضية الشارع أو قضية الساعة، فنتحوّل في كل الشوارع إلى صُحفيين وحقوقيين ومُدافعين حتى ولو لم نعرف عنها شيئاً. وعلى حسب المثل المحلي: "حشر مع الناس عيد"، والسؤال أعيده بطريقة مختلفة: هل الإنسان بطبعه يبحث عن المشاركات الجماعية، أم أنَّه يتأثّر بالمشاكل ويَستأنس بتأثيره عليها سلباً وإيجاباً، أو هو يهتمّ من خلال ما يَهتم به النَّاس فرحا كان أو حزنا، أم أنّه يَنزعج من المشاكل فيتأثر بها نفسيا؟ والسؤال الأكثر أهميّة: هل الإنسان ينساق بفطرته إلى طبيعة التأثير؛ لكونه عاقلا أو أنه يملك خاصية الرّشد فيُؤثّر، أو هو مجبول بفطرته فيتأثّر؟!

والحقيقة أنا لا أناقش في هذا المقال المُتواضع، فِطرة الإنسان وسُلوكاته المؤثرة على غيره أو على بيئته، فردية كانت أو جماعيّة؟ أو هل يَلزمه -أيّ الصحفي- أنْ يتأثّر بسُلوك الشارع/المجتمع وثقافته؟ أم أنّ السُلوك نتاج للفرد يَستنتجه من بيئته فيتأثّر بها، كردّة فِعْل مُؤثّرة في توقعاته أو هي استنتاجات في مَنولوجه الداخلي؟ أو هي تنبؤات طبيعية/فطرية مُكتسبة يسترجعها من خلال واقع مُعايشته الجماعية أو من خلال قراءاته الفردية وما يكتسبه من سُلوك وثقافة في بيئته أو البيئات المحيطة به؟

وأعيد سُؤالي بطريقة مُختلفة: هل يحتاج الصحفي إلى دراسة تأثير سُلوك الجمهور وتفكيره في ظل مُتغيّرات إعلامية جديدة؟ أسوق كلامي هذا وفي أفكاري أسئلة تدور حول حرية التعبير، وأتساءل: هل حرية التعبير تحتاج إلى كياسة وحذر أو أنها تحتاج إلى رأي وتصويب؟ وهل مُستقبلها محفوف بمخاطر التعبير؟ وما هيَ وسيلة التعبير للفرد لكيْ تُتيح له حق التعاطي في كل المجالات، فيُعبّر كيف يشاء، وبأيّ وسيلة وطريقة؟

--------------

الخُلاصة:

إنَّ مقياس نجاح الإعلام هو نجاح حرية التعبير، دون ضرر في الوسيلة الإعلامية، التي يُعبّر بها الصحفي ويُؤدّي ما هو مطلوب منه، أو ما ينبغي القيام به، مع تقدير ظروف المرحلة نفسها؛ تحقيقاً للهدف الإعلامي وسَعياً لتوعية النَّاس والمجتمع وفِق الغاية التي يَحرص عليها الصحفي أو الإعلامي لكسب التعامل مع الآخر، دون تجريح أو إساءة مُباشرة.

ونتّفق على أنَّ نجاح الصحفي أو الإعلامي، سبيل لتحسين الصُورة الذهنية وتعزيز هويّة تأثير الرسالة الإعلامية في الرأي العام أو المجتمع.

--------------

المصادر:

صحيفة "نيويورك ورلد"، "الإعلام السويدي" – ويكيبيديا، "مواثيق الشرف الصحفية الأمريكية والفرنسية"، "حملة تضامن الناشطين مع قضية الصحفي المختار الهنائي"، وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة بالسلطنة.

* كاتب عُماني

تعليق عبر الفيس بوك