تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية

خليل الخنجي

يدور لغطٌ كبيرٌ في الوسط الاقتصادي والاجتماعي، عبر وسائل التواصل، عن كثرة المهمات الخارجية لبعض مؤسسات الدولة، على اعتبار أنَّها سفر وسياحة واستجمام، والحقيقة هي عكس ذلك إذا ما أمعنَّا النظر في المغزى الرئيسي لتفعيل العلاقات الخارجية بين الدول. فمثلًا، قبل العام 1970م، كانت لعُمان علاقات تجارية وثقافية محدودة مع الدول العربية؛ مثل: العراق ومصر وسوريا وليبيا وتونس والجزائر ولبنان وفلسطين، إضافة لدول الخليج العربي، وبعض الدول في شبه القارة الهندية ووسط آسيا والصين وشرق إفريقيا، وبعض الدول الغربية التي كانتْ لديها علاقات تجارية وثقافية، إضافة للتعاون السياسي الاقتصادي مع دول؛ مثل: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وجمهورية الهند، التي كان لجميعها قنصليات في مسقط حتى العام 1970.

ومع بزوغ فجر النهضة العمانية التي قادها المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- في 23 يوليو 1970، بدأت الدبلوماسية العُمانية بإرسال وفد الصداقة العمانية الذي جاب بعض العواصم العربية؛ مثل: الرياض والكويت والقاهرة ودمشق وبيروت وبغداد والجزائر وصنعاء وعدن...وغيرها من العواصم العربية المُهمة، وكان الوفد يتشكل من عدد من الشخصيات العمانية، برئاسة معالي الشيخ سعود بن علي الخليلي، وعضوية الشيخ: هلال بن علي الخليلي، ومعالي عبدالله بن محمد الطائي، والشيخ محمد بن حمد الحارثي، رحمة الله عليهم، والشيخ زاهر بن حمد الحارثي، والشيخ أحمد بن محمد النبهاني، ومعالي يوسف بن علوي بن عبدالله، أطال الله بأعمارهم.. والهدف من ذلك الوفد هو التعريف بالعهد العماني الجديد للدولة الفتية، سلطنة عمان بدلًا عن سلطنة مسقط وعُمان، كما كان يُطلق عليها في السابق، والاعتراف بها وتأييد انضمامها إلى جامعة الدول العربية، والبدء في تقوية العلاقات السياسية بجانب الاقتصادية بين تلك الدول وعمان.

وفي العام 1970، كانتْ هناك في مسقط أربع قنصليات أجنبية محدودة؛ مثل: الأمريكية والبريطانية والفرنسية والهندية، والتي كانت تلعب أدوارًا متفاوتة بين السياسة والتجارة والثقافة، ما لبثت أن تمَّ ترقيتها إلى سفارات في بداية حكم السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- في بداية السبعينات، إضافة لبقية الدول العربية الشقيقة والأجنبية الصديقة، التي تسابقت لفتح سفارات لها في مسقط، يقابلها فتح سفارات عمانية في أغلب دول العالم؛ وبالتالي فتح قنوات متعددة للعلاقات التي تخدم مصالح سلطنة عمان التجارية والاقتصادية.

تأسَّستْ وزارة الخارجية في سلطنة عُمان بتعيين صاحب السمو السيد طارق بن تيمور رئيس الوزراء، الذي عيَّن صاحب السمو السيد فهد بن محمود آل سعيد بمسمى وزير الشؤون الخارجية في العام 1970، بعدها تمَّ تعيين معالي قيس بن عبدالمنعم الزواوي وزيراً للدولة للخارجية، ومن بعده معالي يوسف بن علوي عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، وفي الوقت الحالي تمَّ تعيين معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي كأول وزير خارجية. أما قبل العام 1970، فكان السلطان سعيد بن تيمور هو المسؤول الأول عن الشؤون الخارجية.

استمرَّت سلطنة عُمان في التوسع بعلاقاتها الدبلوماسية من خلال فتح سفارات في الدول الشقيقة والصديقة، من خلال تعيين سفراء مقيمين وغير مقيمين، أو عن طريق فتح قنصليات دبلوماسية أو قنصليات فخرية في بعض المدن التي تربطها علاقات تجارية مع مسقط، إضافة لتشكيل جمعيات الصداقة بين بعض الدول وعمان ومجالس الأعمال التابعة لغرفة تجارة وصناعة عمان التي لعب بعضها أدوارًا في الترويج متفاوتة في توثيق العلاقات التجارية والاقتصادية بين عمان ودول العالم.

لعبت وزارة الخارجية أدوارًا كبيرة في ربط عمان سياسيًّا واقتصاديًّا، إضافة لوزارة التجارة والصناعة ومركز ترويج الاستثمار (سابقًا)، وغرفة تجارة وصناعة عمان، اللذين كان لهما السبق في نشر اسم عمان في الخارج بكل مقوماتها الاقتصادية. أما حالياً ومستقبلًا، فإنَّ على غرفة تجارة وصناعة عمان، ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، ووزارة الخارجية، العبء الأكبر للترويج في المحافل العالمية بالدول التي تربطها بعُمان علاقات دبلوماسية؛ وذلك بفتح مكاتب تجارية أو تعيين مُلحقين تجاريين في بعض سفارات الدول، أو التوسع في تعيين القناصل الفخريين في العواصم الاقتصادية التي سوف تُعزَّز كلها بمعلومات دقيقة عن كيفية الاستثمار بسهولة في عُمان، إضافة للزيارات المتبادلة بين وفود عُمان والدول المستهدفة التي يجب أن تكون مُنتقاة، صحيحة الهدف.

كتبتْ هذه الأسطر من على رحلة الطيران العماني أحد سفراء الدبلوماسية الاقتصادية، وأنا في رحلتي إلى مؤتمر عُمان للطاقة المتجددة، المنعقد الآن في لندن، بحضور عماني رفيع المستوى، برئاسة معالي عبدالسلام المرشدي، وحضور أصحاب المعالي والسعادة، ورئيس وأعضاء جمعية الصداقة العمانية البريطانية، وجمع كبير من الشركات العائلية والحكومية والقطاع الخاص العماني والبريطاني.

وأختم بالقول إنَّ كان سفراء عُمان في الخارج لهم دور كبير في إبراز الدبلوماسية السياسية والاقتصادية، فهذا لا يعفي بقية المؤسسات والهيئات والشركات الحكومية والوزارات وغرفة تجارة وصناعة عُمان والملحقيات التجارية في الخارج عن مُساندتهم لتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية، لتكتمل الأدوار للترويج للمقومات الحيوية بأشكالها المختلفة.