ظاهرة الأقفال على سياج دربات

د. عبدالوهاب الراسبي

اطلَّعتُ على الخبر الذي فيه إزالة الجهة المختصة مشكورة سياجًا في دربات بمدينة صلالة، وَضَع عليه بعض الجهلة أقفالا كَتَب كل واحد منهم على القفل رمزًا لاسمه واسم عشيقته، اعتقادا منهم أن تلك العلاقة بينهما قد أُقفل عليها بقفل؛ فهي باقية ما دام القفل مقفولا.

وبيانا لهذا التصرف بغض النظر عن تلك العلاقة: أهي مما يباح أو يحرم؟ أقول: لا ريب أن مثل هذا العمل نوع شرك بالله عز وجل؛ لاعتقاد أنَّ ذلك القفل سبب في جلب نفع؛ إذ كلُّ من اتخذ سببا لم يجعله الله سببا لا شرعا ولا حسا، فقد أشرك شركا أصغر، وهو وإنْ كان غير مُخرِج من المِلَّة إلا أنه متوعَّد عليه بالوعيد الشديد، وقد قال بعض أهل العلم إنه داخل في عموم قوله تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به"، وأن فاعله حتما يُعذَّب، ولا يعامل معاملة أهل الكبائر المعلَّق المغفرة لهم بالمشيئة الإلهية.

وتوضيحا لذلك؛ فإنّه يشترط في كون السبب يجوز تعاطيه:

1- أن يثبت في الشرع كالرقية بالقرآن.

2- أن يثبت بالحس أي بالتجربة كالتداوي بالعقاقير الطبية.

3- أن يكون تأثير السبب الحسي ظاهرا مباشرا لا خفيا.

فهذا الذي علّق القفل في سياج دربات إنْ اعتقد أنَّ ذلك القفل سبب في ديمومة العلاقة بعشيقته؛ فقد اتخذ سببا لم يأذن به الشرع، ولم يثبت له بالتجربة تأثير ظاهر ونفع مباشر، فكان نوع شرك بالله عز وجل وذلك أنّ قلبه تعلَّق بالقفل وجعله سببا مؤثرا في جلب النفع له، وذلك إنما يستقل به الله وحده فهو النافع الضار فيُطلب النفع منه جلا وعلا بما شرعه وأباحه من أسباب.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الرقى والتمائم والتِّوَلة شرك" (رواه: أحمد وأبو داود وابن ماجه)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.

والرقى المراد بها هنا غير الشرعية.

والتولة قيل: هي من السحر والسحر شرك، وقيل: شيء يعلقونه على الزوج يزعمون أنه يحبب الزوجة إلى زوجها والزوج إلى امرأته ووجه كونه شركًا لأنه ليس بسبب شرعي ولا قدري للمحبة ومثل ذلك الدبلة (انظر:القول المفيد للعلامة ابن العثيمين). وقال الشوكاني في "الفتح الرباني": "فانظر كيف جعل الرقى والتمائم والتولة شركا وما ذلك إلا لكونها مظنة لأن يصحبها اعتقاد أنَّ لغير الله تأثيرا في الشفاء من الداء وفي المحبة والبغضاء".

فعلى المسلم أن يُعلِّق قلبه بالله عز وجل في كل أموره فهو سبحانه النافع الضار وهو الذي يفيض بالخيرات والرحمات وقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام: "من تعلق شيئا وكل إليه" (رواه أحمد والترمذي) وصححه الألباني في تعليقه على الترمذي.

وهذا يشمل تعلق القلب وميله إلى ذلك السبب، فيشمل تعلق القلب بذلك القفل في دربات فيتخلى الله عن صاحبه ويوكله إلى ذلك القفل ليُحصِّل له مقصوده فيحصل له الخذلان والخسران.

والعبد إنما يكون عزه وفلاحه ونجاحه في تعلقه بالله وحده في كل شؤونه والتوكل عليه وتفويض كل أموره إليه.

رزق الله الجميع الهداية والرشاد وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تعليق عبر الفيس بوك