أهمية الاقتصاد الزراعي

علي بن مسعود المعشني

Ali95312606@gmail.com

حين قرَّرت الصين النهوض رسمت إستراتيجية القدمين؛ فكانت القدم الأولى التركيز على الزراعة إلى مرحلة التشبع والإغراق، ثم نُفذت القدم الثانية وهي التصنيع الزراعي؛ فتحققت المعجزة الصينية التي غَزَت العالم اقتصاديًّا، وكان للزراعة نصيب الأسد في المجالين المذكورين.

وبالعودة قليلًا إلى تاريخ الصين الحديث، وتحديدًا في عهد الزعيم ماوتسي تونج، وفي زمن الثورة الثقافية تحديدًا، نقل الزعيم ماو بوصلة الثورة من طبقة العمال وركز على طبقة الفلاحين كونها الطبقة الواسعة في مكونات المجتمع الصيني وشعوبه وقومياته المختلفة فحقق عددا من المُنجزات حينها؛ على رأسها: الأمن الغذائي، وجعل الزراعة مصدرَ دخل وتوظيف لشرائح واسعة من المجتمع، وهذا ما شكَّل لاحقًا محفزًا للقيادات الصينية المتلاحقة للبناء على منجزات الزعيم ماو، والنهوض بالصين بالصورة الظاهرة للعالم اليوم.

وبالعودة إلى الأزمنة الأقدم من التاريخ الإنساني، نجد أنَّ الزراعة شكلت اللبنة الأولى والركن الصلب للحضارة الإنسانية؛ فحين زرع الإنسان استقرَّ وعمَّر وأبدع في هندسة المياه ووسائل الري والإنتاج الزراعي؛ فكانت الزراعة عنوانًا وبصمةً لعدد من الحضارات التي تركت أثرها على التاريخ الإنساني، وشكلت رافدًا مهمًّا من روافد البناء والإعمار والتشييد المناط بالإنسان في خلقه ومسؤولياته أمام الخالق.

وبالعودة إلى سلطنتنا الحبيبة؛ فقد عرفت الزراعة التقليدية بكافة أشكالها، واعتمدت على وسائل الري التقليدية من آبار وأفلاج وزراعات مطرية موسمية لاستمرار الزراعة وتطويرها، كمصدر دخل ومعيشة وعمل لشريحة واسعة من المجتمع العماني في جميع الولايات والمحافظات، ولسنوات طويلة خلت، ثم عرف قطاع الزراعة الكثير من الخطط وبرامج التطوير منذ فجر النهضة المباركة عام 1970م، ولكن تلك الخطط والبرامج لم ترقَ للممكنات الحقيقية للقطاع، والذي كانت تزاحمه جُملة من الأولويات تنموية لدولة ناشئة تصارع للخروج من حقب التخلف، وركب التقدم والعصرنة.

اليوم.. وفي مفهوم الدولة الحديثة لم تعد الزراعة قطاعا حكوميا فحسب، بل هي رافد اقتصادي مهم وضروري لأي دولة تسعى للحفاظ على سيادتها واستقرارها وسكينتها العامة؛ حيث يشكل قطاع الزراعة الأمن الغذائي المهم لأي دولة ومصدر دخل وتوظيف لشرائح واسعة من المجتمع، إضافة لتوفير قطاع الزراعة المواد الخام لصناعات مهمة غذائية وأعلاف حيوانية وزيوت وأخشاب...إلخ.

وشكَّلت الأزمة الأوكرانية هاجسًا وقلقًا للأمن الغذائي العالمي؛ حيث تُنتج كل من جمهورية روسيا الاتحادية وأوكرانيا أكثر من 52% من القمح العالمي، والذي يعد المحصول الإستراتيجي الأول للغذاء في العالم، وإزاء المخاوف من توسُّع رقعة الحرب وانحسار أو انقطاع الإمدادات من القمح حول العالم، أعلنت أكثر من دولة -ومنها الهند والأرجنتين والبرازيل وكندا وأستراليا- منع تصدير إنتاجها من القمح أو التقليل من صادراتها وتقنينها، الأمر الذي ينذر بندرة غذاء عالمية قد تصل إلى المجاعات في جغرافيات بعينها، والتي تعتمد على الاستيراد أو تعاني من الجفاف وقلة الموارد المائية. وهنا كان التفكير الجاد من قبل العديد من البلدان بضرورة التركيز على الاقتصاد الزراعي بالدرجة الأولى، وضمان توافر المنتج المحلي من المحاصيل الزراعية الإستراتيجية بقدرٍ غير مُخل بالدولة وسكانها.

من يزُر اليمن اليوم، أو يكن قريبًا من تجارب أقطار عربية كمصر والسودان وسورية كمثال، يرَ ويلمس دور الاقتصاد الزراعي في جبر ضرر هذه المجتمعات من نوائب الدهر وتقلبات السنين؛ حيث تتوافر طبقات وشرائح مهمة من الفلاحين ومساحات زراعية واسعة وموارد مائية مختلفة من أنهار وعيون وآبار وأمطار موسمية؛ وبالتالي بقيت هذه الشعوب مُعافاة إلى حد معقول من تداعيات الأزمات التي مرَّت بها بفضل اعتمادها على الاقتصاد الزراعي وتقديمه على غيره من الاقتصادات.

وبالشكر تدوم النعم...،

----------------

قبل اللقاء: هناك قاعدة مهمة في علم الاقتصاد اليوم تقول: إن بناء اقتصاد عصري وقوي يجب أن يُبنى من خلال مفردات ما يسمى بـ"الاقتصاد التقليدي" الذي كان يُمارسه الناس قبل قيام الدولة الحديثة (زراعة، صيد بحري، ثروة حيوانية...إلخ).