رسوم مُتحركة

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

كان أكثرنا من عشاق مُتابعة الرسوم المتحركة في أيام الطفولة وبراءتها؟ حيث يسعى الجميع جاهدا لمتابعة أحداثها، فهي الأقرب إلى النفس والروح وبراءة الطفولة، أما مشاهدها فلا تزال عالقة في أذهان الكثيرين منِّا، لأنها كانت مفيدة وهادفة، في مختلف المجالات العلمية والأخلاقية والأسرية؛ فهناك من المسلسلات الكارتونية التي كانت تهتم بالقيم والمبادئ العربية الأصيلة كانت تسهم بشكل كبير في تنشئة الطفل ومساعدته ليكون على قدر كبير من الوعي والإدراك؛ وذلك من خلال التركيز على المعلومات النافعة والمسابقات المشجعة التي جعلت من الطفل العربي طفلاً يهتم بعاداته وتقاليده الأصيلة التي يجب الحفاظ عليها.

كانت مسؤوليات الآباء والمربين في ذلك الزمان في داخل أسرهم ومجتمعاتهم أقل بكثير من المسؤوليات المُلقاة على عاتقهم في هذا الزمان؛ وذلك لقلة برامج التواصل الاجتماعي حيث كان المجتمع آنذاك محافظا ومنتجا للمسلسلات الفكرية والأخلاقية التي تهتم بثقافة الطفل من خلال شاشة التلفاز، أما اليوم فقد تحول العالم إلى قرية مصغَّرة يتبادل الجميع فيها الكثير من الثقافات والعادات المختلفة والمتلونة، والتي جعلت من الطفل العربي ينسلخ من عاداته وقيمه ومبادئه، بل ويرى الدهر أكل على تلك العادات وشرب وأصبحت قديمة؛ وبالتالي يرى من الأفضل استبدالها بالأفكار المعلبة والجديدة القادمة من الدول الغربية تحت عنوان الحداثة والتغير والتجديد والتسلية.

إن المسلسلات الكارتونية التي كانت تعتمد عليها الأسرة سابقا في تربية الأجيال على الاهتمام بالقيم والمبادئ الإنسانية، حلت محلها اليوم الكثير من المسلسلات التي تحاكي العنف والفساد الفكري الموجه لنفوس الأبناء، بل ولم تكتف البلدان الغربية ببث ذلك الفساد من خلال شاشة التلفاز فحسب، التلفاز أصبح اليوم لدى البعض عُملة قديمة مع دخول الإنترنت والهواتف النقالة والألواح الذكية وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تشكل خطرا واقعيا يجب مُراقبته والالتفات إليه بحزم وعزم.

اليوم، وبكل سهولة ويسر، أصبحت عملية التركيز على عقلية الطفل وبقية أفراد الأسرة وحرف العقول عن مسارها الصحيح وتدريبها على سلوكيات جديدة ما أنزل الله بها من سلطان، كالمُفاخرة ببث وتصوير أثاث المنزل، وملابس أفراد الأسرة، وما يدور بين الأزواج والأبناء، وتصوير غرف النوم الخاصة، والطعام، بل وكل ما يجري في الأسرة وغيرها الكثير من العادات الدخيلة على مجتمعاتنا وأسرنا العربية.

إنَّ مجتمعاتنا العربية والإسلامية اليوم أمام تحديات ومسؤوليات تربوية جسام، تستدعي من الجميع تفعيل عامل الرقابة في الداخل الاجتماعي والأسري؛ وذلك من خلال متابعة مسلسلات الرسوم المتحركة والمقاطع المرئية المسمومة بأنواعها، بل وكل ما يدخله الإعلام إلى مجتمعاتنا وأسرنا من أفكار دخيلة، والقيام بحظرها بشكل نهائي وذلك قبل وصولها إلى أذهان أبنائنا وبناتنا، وهذا يتطلب تفعيل قوانين صارمة من جانب الدولة نفسها والاهتمام بالتربية الصالحة من قبل المربين؛ بهدف تنشئة الجيل وتثقيفه وتدريبه على مواجهة الأفكار الضالة والفاسدة القادمة من الخارج كمواجهة المثلية والنسوية والإلحاد والإباحيات...وغيرها من الأفكار الهابطة والسلبية التي باتت تؤرق المجتمع والأسرة قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ".

يجتهد المتصيدون من خلال الفضاء الإلكتروني لدس مقاطع الرسوم المتحركة وغيرها من المقاطع المرئية التي تحتوي على الكثير من الأخطار النفسية والسلوكية؛ وذلك بهدف تضليل الطفل من خلال عرض شخصيات محببة له، والتي من خلالها يتم زرع صور أو مشاهد مخلة للآداب تظهر أحيانا للطفل وبشكل مفاجئ، والهدف منها إبعاد الطفل عن القيم الأخلاقية والدينية والإنسانية.

إنَّ المسلسلات الكارتونية القادمة من الخارج في كثير من الأحيان تكون مُصمَّمة لغير عقول أطفالنا وثقافاتنا وأخلاقنا العربية والإسلامية؛ وبالتالي تكون سلبياتها كثيرة، كـ :

- عرض مشاهد عنيفة تدفع بالطفل لسلوك العنف والعدوانية والكراهية؛ بحيث يطبقها بعد مشاهدتها على من حوله من أقرانه وأصدقائه وأهله.

- متابعة تلك الرسوم لفترات طويلة تؤثر سلبا على صحة الطفل الجسدية والعقلية والتي منها إضعاف البصر.

- كثرة المتابعة لتلك المسلسلات تجعل من الطفل متلقيًا لا أكثر، قابعا في مكانه غير قادر على الاكتشاف والإبداع.

لذا؛ عزيزي القارئ الكريم نحن هنا لسنا في مقام النقد لتلك المسلسلات الكارتونية والمرئية فحسب، فالنقد في حد ذاته أمر جيد يراد منه التطوير، ولكن إذا نظمت تلك المشاهدات للطفل من خلال المربين واختيار وانتقاء الأفضل والأنفع للطفل، فعند ذلك ستكون الرسوم المتحركة وغيرها من المشاهد مجدية ونافعة، بل وإيجابياتها ستصبح كثيرة لا تعد ولا تحصى؛ من بينها:

* توسعة الخيال لدى الطفل؛ فالرسوم المتحركة تُساعد وتُعين الطفل على زيادة الخيال لديه مما تجعله يفكر بشكل أفضل ولكن بشرط انتقاء النافع منها.

* تعلم الطفل النطق باللغة العربية بشكل أسرع وأفضل.

* تجعل من الطفل متزودا بالمعلومات المختلفة التي تزيده ثقافة ونضجا ومعرفة وذلك من خلال متابعته للدروس المختلفة في شتى المجالات العلمية والحياتية.

لذا؛ على الجميع أن يتحمل مسؤوليته على صعيد هذه المساحة الخاصة بالأطفال، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ".