موسم سياحي للذكرى

عوض المغني

لمواقع الجذب السياحي في محافظة ظفار صِيت مُتنام، خاصة لدى مواطني ومُقيمي دول مجلس التعاون الخليجي الشقيقة؛ فالأمر أصبح أكبر من مُجرد هروب -شعار إعلان خريف ظفار- من وهج الشمس والحرارة العالية، بل التعويل على قضاء وقت مُمتع والعودة بذكريات جميلة من موقع جاذب سمع عنه السائح أو شاهده مرارا وتكرارا عبر منصات التواصل الاجتماعي، بزوايا خلابة ومحسنات تصوير رقمية حديثة. وهذا لا يعني بتاتا عدم أهلية تلك الأماكن الطبيعية من سهول وجبال وشواطئ للزيارة، لكن: هل تم الوضع في الحسبان خروج تلك الزيارة بذكرى جميلة وهنيئة للسائح؛ سواء كان مواطنا أو وافدا؟!

أظن أنَّ الحاجة للخروج من موسم سياحي صِفري الوفيات مطلبٌ يستحق الوقوف عنده، وهدف من الضروري السعي لتحقيقه؛ سواء لمرتادي المواقع السياحية أو مستخدمي الطريق البري الرابط بين أدم وثمريت.

فتكرار أرقام الوفيات السنوية خلال الموسم السياحي (الخريف) يضع الحدث إجمالا في خانة الذكرى المؤلمة، وهي نقطة لا أعتقد أن أيَّ حدث سياحي وترفيهي يستقطب الزوار من كافة الشرائح يُراد له الوصول إلى نقطة سلبية كهذه، مع تسليمنا بالقضاء والقدر في مسألة الموت، يظل العمل على تأكيد الجوانب التوعوية والرقابة الأمنية في تلك المواقع ضرورة لتستقيم الأمور، والوصول إلى صفر حوادث مؤسفة أو سلوكيات خاطئة تحدث تكرارا ومرارا خلال الموسم السياحي بمحافظة ظفار؛ فالسباحة في البحر الخريفي الهائج مشهد نشاهده من السائح سنويا، ونحذر منه ومن خطورته خلال موسم الخريف، ولكن يأتي العام المقبل وسائح آخر يُكرِّر نفس التصرف رغم وجود لوائح تنبيه بالقرب منه تحذر من خطر التيارات البحرية. ونفس المشهد يتكرَّر عند عيون المياه في المناطق الجبلية، وبشكل سنوي تتكرر الحوادث المؤسفة. وهنا، لا نلقي باللائمة على طرف دون آخر؛ فالجهات الأمنية والمنظمة لمهرجان خريف ظفار تسعى بما لديها من إمكانات للخروج بالموسم السياحي بصورة جيدة تُرضي السائح والمقيم على السواء، وفي الجانب الآخر السائح -خاصة من خارج السلطنة والقادم عادة من مناطق داخلية- لم يتعامل مع البحر ولا شلالات المياه الهادرة لا يُدرك خطورة السباحة في تلك الأجواء.. إذن فما العمل؟

بينما في الجانب الآخر الموسم الشتوي، والذي لا يحظى بأي تغطية إعلامية ولا حملات دعائية كبيرة، وتأتيه الأفواج السياحية من أوروبا لا نسمع عن حوادث مُماثلة، سيقول القارئ: لاختلاف الأجواء، وهذا صحيح فمن يقدم إلى محافظة ظفار شتاءً أغلب وجهته للشواطئ، والبحر حينها في حالة سلام مع نفسه وغيره، والسائح لا يسلك طريقًا يبلغ 900 كم للوصول إلى وجهة يصادف فيها أقرانه يسابقونه الخطى إلى ذات الوجهة، كما أنه توجد نقاط خدمات واستراحات معدودة جدا ومتباعدة وأحيانا دون المستوى !!

لكنَّ الجامع بين المجموعتين من السياح أن كل منهم لديه رغبة في تحقيقها وهي الاستمتاع بأجواء يفتقدها من حيث أتى والرجوع بذكرى طيبة تخلّد هذه الزيارة.

فالسائحان في الجانبين تقريبا يشتركان في رغبتهما في الاستمتاع بالماء (الرذاذ) والبحر خصوصا؛ فالأول خلال أشهر الشتاء يجد ضالته بأفضل ما يكون، والآخر يقطع المسافات ويجدها بكثرة خلال فصل الخريف محلياً، لكنه يعجز عن الاستمتاع بها بسبب تقلباته وهيجانه الشديد، ومع ذلك ولعدم إدراكه لخطورة الوضع بسبب قلة خبرته وضعف معلوماته عن الوضع يجازف بالسباحة أو التقاط الصور الشخصية (سيلفي) بوضعيات خطرة مثلما حدث في المقطع المصور المنتشر للعائلة الآسيوية... ونسأل الله العافية.

والآن.. كيف يمكن أن يرضى هذا السائح الذي جاء من بيئة جافة وحارة جدا ليستمتع بأجواء مائية إن صح القول، فلا يجد ضالته في حديقة مائية مثلاً لتعويض لهفته تلك بسبب حالة البحر خلال الخريف أو لصعوبة السباحة في العيون المائية مخافة الترسبات الطينية والعوالق الأخرى القادمة مع سيول الأمطار؛ وذلك مثلاً بتعبئة قنوات جانبية في عيون المياه الطبيعية تتيح الاستمتاع بها دون الإخلال بطبيعة المكان ومستويات عمق مناسبة.

إذن خلاصة القول.. إن تهيئة الطريق الممتد بين أدم وثمريت وتوسعته ليصبح أكثر من مسار ضرورية جدا، خاصة وأن الجزء المتبقي منه وهو الخط الرابط بين أدم وهيما تمَّ الانتهاء منه بينما النصف الآخر لا يزال على حاله حسب علمنا (هيما-ثمريت)، وهذا الخط الجميع يعلم أهميته سواء للحركة السياحية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وتحسينه إن شاء الله سيُقلل من حوادث السير التي عادة تتزايد في موسم الخريف السياحي.

أما فيما يتعلق بالمواقع السياحية وكيفية التعامل مع الزيادة المتوقعة سنويا لزوار المحافظة، خاصة لو أن أقصى توافد للموسم السياحي بلغ أكثر من نصف مليون خلال موسم 2018، أي قبل تعطيله بفعل الجائحة. كذلك الأحرى بالجهات المعنية في بلدية ظفار والمديرية العامة للتراث والسياحة بالمحافظة العمل على توظيف عدد من الشباب توظيفا جزئيا (بالساعات) كما كان معمولا به سابقا في مركز البلدية الترفيهي خلال موسم الخريف، ويكون دورهم توعية الزوار بالسلوك السليم أثناء ارتيادهم للمواقع السياحية خاصة العيون والشواطئ؛ فتواجدهم الدائم بالقرب من السائح فائدة كبيرة من حيث تلقي المعلومة الصحيحة، وكذلك لضبط السلوكيات المتطرفة من بعض الفئات التي قد تكون مُمِيتة؛ فخروج الموسم السياحي المنتظر سنويا بذكريات سعيدة مطلب وغاية الجميع من منظمين وأهالي ولزوار المحافظة، لا أن تتحول إلى حادثة مفجعة وذكرى أليمة والعياذ بالله.

حفظ الله الجميع من كل مكروه...،

 

* أخصائي إعلام بصحية ظفار

تعليق عبر الفيس بوك