الضمان العشري الخاص بالبناء

م. أنور خميس العريمي

تكمُن أهمية المباني والمنشآت العمرانية باختلاف أشكالها وتصاميمها في كونها شاهدًا على التطور والتحضر المُجتمعي، ودليلًا على الثقافة الفكرية للبشر الذين يعيشون في ذلك المكان، ومع استمرار الزيادة السكانية وتزايد الاحتياجات والمتطلبات الإنسانية المختلفة في تشييد المباني في ظل التنمية المستمرة في كل جوانب الحياة، تنوَّع الفكر العمراني الحديث بشتى أشكاله المختلفة في المباني التجارية والصناعية والسكنية حسب حاجة الإنسان لذلك .

وللحفاظ على المباني من العشوائية واللامسؤولية والغش خلال التشييد، أصدرت الجهات المختصة في سلطنة عُمان التشريعات والقوانين واللوائح المنظمة لتلك العمليات الإنشائية بدءًا بالموافقات على المخططات والتصاميم المعمارية المتوافقة مع المواصفات المحددة في اللوائح التنظيمية، وإصدار إباحات البناء، ثم إصدار شهادة إتمام البناء.

وإضافة إلى ذلك، شدَّد المشرِّع في أمر البناء بالنص على مسؤولية المقاول والمهندس الاستشاري التضامنية لمدة عشر سنوات عن العيوب والتشققات التي تسبب التهدم للمبنى والمنشآت العمرانية في القوانين المدنية؛ بشرط أن تكون تلك العيوب خفية عن المالك عند تسلم المبنى؛ حيث نصت المادة (634) من قانون المعاملات المدنية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (29/2013) في الفقرة الأولى والثانية على:

1- يضمن المهندس والمقاول متضامنين كل ما يحدث خلال عشر سنوات من تهدم كلي أو جزئي فيما شيداه من مبانٍ أو أقاماه من منشآت ثابتة أخرى ولو كان التهدم ناشئاً عن عيب في الأرض ذاتها أو كان صاحب العمل قد أجاز إقامة المنشآت المعيبة ما لم يكن المتعاقدان في هذه الحالة قد أرادا أن تبقى هذه المنشأة أقل من عشر سنوات.

2- يشمل الضمان المنصوص عليه في الفقرة السابقة ما يوجد في المباني والمنشآت من عيوب يترتب عليها تهديد متانة البناء وسلامته.

علماً بأن هذا الضمان متعلق بالنظام العام الذي لا يجوز الاتفاق على الإعفاء منه وفقاً للمادة (636) من القانون نفسه؛ وبالتالي يتبيَّن أن الهدف الرئيسي من النص على الضمان العشري وجوب أن يأخذ المقاول والمهندس الاستشاري في حسبانهما الاتقان في العمل والتجويد في التصميم والتنفيذ والإشراف، وعدم التساهل في استخدام المواد المعيبة أو ضعيفة الجودة وخاصة في الهياكل الإنشائية الخرسانية والتي توثر سلباً على قوة المبنى وسلامتها، وليكون أيضا تحت رقابة المسؤولية المشددة لإنجاز الأعمال على أكمل وجه وفقا للمعايير الهندسية والمقاييس الفنية والمواصفات المعتمدة.

وبالتالي الغاية الكبرى من ذلك الحفاظ على أرواح الساكنين لهذه المباني والمستخدمين للمنشآت بصورة عامة من الانهيارات، بالإضافة إلى حماية المالك الطرف المتعاقد الأضعف من الخسائر والأضرار المادية والمعنوية التي ستترتب عليها في المستقبل بصورة خاصة جراء تساهل أصحاب الخبرة في البناء وعدم مبالاتهم بتنفيذ الأعمال بطريقة صحيحة، حيث بإمكانه الرجوع إليهم ومساءلتهم عن ذلك على أساس المسؤولية العقدية، وكذلك للمصلحة العامة في الحفاظ على المباني والمنشآت من التهدم والسقوط على الغير .

كما يثور التساؤل حول المقاول من الباطن هل يشمله الضمان لمدة عشر سنوات عن عيوب وأخطاء البناء أم لا؟ كون المقاول من الباطن من الغير بالنسبة للمالك لعدم وجود رابطة تعاقدية بينهما، فلا يكون متضامنا في العيوب والأخطاء لمدة عشر سنوات في الأعمال المنجزة كالمقاول الأصلي.

المقاول من الباطن يكون مسؤولاً وملتزماً أمام المقاول الأصلي بإنجاز الأعمال على أكمل وجه على أساس عقد المقاولة من الباطن؛ باعتبار أن الأخير هو صاحب العمل تجاه المقاول من الباطن ولا يمكن اعتباره مالك البناء. لذا تنتهي مسؤوليته بانتهاء مدة الصيانة التي يتم فيها إصلاح جميع العيوب التي يرتكبها أثناء التنفيذ.

والجدير بالذكر أنه ليس كل ما في المبنى أو المنشأة الثابتة من عيوب يدخل في الضمان العشري وإنما فقط العيوب الإنشائية أيا كان نوعها التي تهدد سلامة الأجزاء الرئيسية والتي بها يكون المبنى متيناً وقوياً وسليماً على سبيل المثال لا الحصر؛ الهياكل الخرسانية المسلحة وكذلك الهياكل الفولاذية، كما ينطبق الضمان على السدود والجسور والأنفاق والعبارات المائية الخرسانية ونحوها المنشأة على الطرق وجوانبها.

يثور التساؤل أيضاً ويحتدم الخلاف حول رصف الطرق بالطبقات الإسفلتية هل يدخل في الضمان العشري أم لا؟، برغم أنها بناء ثابت في الأرض وكذلك برغم أنها مبنية وفقا للمواصفات والمعايير الفنية المعتمدة دولياً وحسب المواصفات القياسية للطرق المعتمدة في السلطنة، وبرغم أن المتعاقدين أرادا أن تبقى في حالة جيدة أكثر من عشر سنوات، فمن وجهة نظري أنها لا تدخل في مقصود المادة آنفة الذكر لأنه لا يكفي كل بناء أو منشأة أن تكون فقط ثابتة أو ملاصقة للأرض للدخول في الضمان وإنما هنالك أشياء لابد من وجودها في مكونات البناء وتلك المنشأة كالأجزاء المتينة والصلبة المتماسكة والتي بدونها لا يستقيم البناء ولا يثبت، وكذلك بحصول الخلل والعيوب فيها ينهار البناء ويسقط جزئياً أو كلياً . وبسلامة تلك الأجزاء تكون سلامة البناء والمنشأة؛ وبالتالي تلك المتانة والصلابة والتماسك والقوة لا تنطبق على طبقات الأسفلت المرنة واللينة.

ومن ضمن الأسباب كذلك: أنها تحتوي على مكونات من طبقات لينة ومرنة غير صلبة عبارة عن مادة نفطية لاصقة قابلة للتفكيك وبإمكان فصلها عن بعضها وتركيب طبقة أو طبقات إضافية عليها ليس كالخرسانات المسلحة كل مكوناتها متماسكة بقوة .

أيضا تبنى أجزاء كبيرة من الطرق على مسافات طويلة في مجاري الأودية والشعاب والمناطق الصحراوية وبالتالي معرضة باستمرار للانجراف والتكسر والتشقق نتيجة تراكم الصخور والأتربة والأشجار أثناء نزول الوديان خلال هطول الأمطار. إضافة إلى تكون برك مائية لفترات طويلة على أسطحها، تؤدي إلى ترسبات الأملاح نتيجة أشعة الشمس القوية وعوامل الطقس ثم تيبس مادة القار ومن ثم تحدث التشرخات.

زد على ذلك تعرض الطريق دائماً إلى القطع والحفر لتوصيل الخدمات الأخرى للمباني السكنية والصناعية مما يؤدي إلى ضعف جودته عن التصميم والتنفيذ السابق.

الحمولات الزائدة للشاحنات المخالفة كذلك تؤثر في هبوط وتشققات الطبقات الإسفلتية المصممة لأوزان محددة وطبقات مختلفة العدد والسماكة من طريق إلى آخر. وأخيراً ما تم توضيحه سابقاً أنه ليس كل أجزاء المبنى ينطبق عليها الضمان العشري وبالتالي ينسحب كذلك على الطرق حيث لا يشمل كل أجزائها. بناء عليه، من الصعوبة بمكان والحالة هذه أن تتحقق الغاية من مراد مادة الضمان العشري في الطرق المعبدة.

بند مدة الصيانة في العقد الموحد سنة كاملة للبناء والأعمال الإنشائية يتم فيها إصلاح العيوب التي تظهر خلال تلك الفترة وإكمال النواقص من قبل المقاول وذلك لجميع أنواع المشاريع الهندسية والمدنية، وبالتالي لا فرق في ذلك بين مدة الصيانة لأعمال البنية التحتية والمباني السكنية وإنشاء المنتجعات السياحية والسدود وأعمال الصرف الصحي وتوصيل شبكات المياه ومشاريع الطرق والجسور وهلم جرا، حيث يعتبر ذلك للأسف ابتعاداً عن الواقعية والمنطق وخلل في فهم أهداف وطبيعة كل مشروع وميزاته المختلفة عن الآخر، وكذلك من ناحية أحجامها وتعقيداتها وقيمها الكلية التعاقدية .

وعليه، أرى أنَّه من الأفضل تضمين تلك العقود المختلفة شروطا خاصة إضافة إلى الشروط العامة المتعلقة بالصيانة لكل مشروع بحسب طبيعته وظروفه الإنشائية والهندسية وأيضاً استخداماته. وذلك من خلال وضع مدد مختلفة للصيانة التعاقدية لكل مشروع بصورة عامة، ونقترح بشكل خاص أن تكون مدة صيانة مشاريع الطرق الرئيسية العامة تقريباً إلى خمس سنوات، والطرق الداخلية سنتين، كون الطريق بين الزقاق لا يحتاج إلى إصلاحات بعد انتهاء مدة الصيانة التعاقدية إلا بعد فترات زمنية طويلة لعدم وجود كثافة مرورية وحمولات كبيرة كالطرق الرئيسية العامة. ولعل ذلك يكون حلاً مناسباً لتلافي التهدم وتفاقم مشكلة التشققات، بحيث تكون كالصيانة الدورية في تلك المدة، مما يؤدي إلى حمايتها من التلف وبالتالي ديمومتها لفترة صالحة أطول .

alaraimianwar@gmail.com

* خبير هندسة مسح الكمیات ومحكم تجاري

تعليق عبر الفيس بوك