قمة جدة.. والخيارات الملتبسة

مسعود أحمد بيت سعيد

masoudahmed58@gmail.com

غادر الرئيس الأمريكي جوبايدن منطقة الخليج العربي؛ بعد انتهاء قمة جدة للأمن والتنمية.. أفرغ خلالها ما في جعبته من أهداف استراتيجية؛ وقد استبقت زيارته ضجيجا إعلاميا كبيرا ذهب بعضها إلى النهائيات. ويبقى السؤال: ما هي الأهداف التي تسعى أمريكا لتحقيقها ولم تتحقق بعد، والتي تطلبت زيارة الرئيس الأمريكي؟

موضوعيا.. ليس بمقدور المنطقة تلبية المطالب الأمريكية الخيالية والتي قد تنعكس بشكل سلبي على الداخل؛ والزيارة في حد ذاتها توحي بعدم تفهم الإدارة الأمريكية للارتدادات الاجتماعية في حال تنفيذ مطالبها التعجيزية القاسية.. ورغم غموض قمم الشرق الأوسط الأمريكية التي تفتح أبواب الاجتهادات والاحتمالات؛ في ظل عدم وجود تقاليد تاريخية لصد الإملاءات الخارجية؛ فإنَّ فشل المهمة الأمريكية يمكن اعتبارها حقيقة. ولسنا بصدد مناقشة البيان الختامي، ولكن من اللافت التركيز على قضيتين أساسيتين:

القضية الأولى: موضوع الإرهاب وحسنا فعل، ولكن ماذا عن الإرهاب الإسرائيلي والأمريكي؟ ومن المعروف بأن الإدارة الأمريكية تستنكف عن تعريف دولي للإرهاب، بينما لديها معاييرها الخاصة حيث تصدر سنويا قائمة سوداء تدرج ضمنها كل من يقف في وجه مشاريعها العدوانية على امتداد الكون: دولا وجماعات وأفرادا، وتستخدم الجماعات الإرهابية لتنفيذ أجندتها والذين هم بمثابة سلاحها النووي الفعال. ولا يمكن اعتبار من يدافع عن أرضه وعرضه إرهابيا بينما الغزاة والمستعمرون المحتلون دعاة الديمقراطية والحرية المزيفة، والتي وفق فلسفتهم ديمقراطية وحرية للقتل والتدمير والسلب والنهب واستعمار الشعوب واضطهادها.

القضية الثانية: موضوع البرنامج النووي الإيراني؛ ولا شك أن إبقاء المنطقة خالية من الأسلحة الكيماوية والنووية مطلب مشروع، ولكن: لماذا الاستنفار من مشروع نووي إسلامي لأغراض سلمية، بينما لا يتم التطرق إلى الترسانة النووية الإسرائيلية؟ وأن تراجع دور ومكانة الولايات المتحدة لم يعد قابلًا للجدل؛ وهي الآن أكثر حاجة للطاقة والممرات الآمنة، ولا تستطيع الاحتفاظ بموقعها كقوة عالمية كبرى في العقد القادم خارج الهيمنة على منطقة الشرق الاوسط التي تمدها بكل أسباب القوة والاستمرارية، وهو ما اعتبره الرئيس الأمريكي شريان العالم.

بينما جزء كبير من الرسميات العربية لا ترى التحولات الدولية وتصدع النظام العالمي الرأسمالي والذي يفتح أبواب الأمل لكل شعوب الأرض في تحقيق الحد الأدنى من الاستقلالية؛ وكان من الأجدى بحث التكامل العربي وأمنه القومي اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وعسكريا؛ حيث الموارد والطاقات البشرية والدراسات العلمية متوفرة. وانحرف بوصلة الصراع واختلاق أعداء وهميين كان ولا يزال محور الرؤية الأمريكية؛ في تجاهل دور الكيان الصهيوني في تهديد أمن المنطقة واستقرارها. والصراع بين الشعب العربي وأعدائه الإمبريالية والصهيونية؛ قائم قبل وبعد قيام الثورة الإسلامية، والتي أضافت بكل تأكيد عنصر القوة لقضية التحرر من الوجود الأجنبي؛ والذي استفز حلفاء الشاه الإقليميبن والدوليين الذين يتهمونها بزعزعة الاستقرار والتدخل في شؤونهم الداخلية.

ومهما كانت التباينات، يبقى العدو الصهيوني الذي يحتل فلسطين وأجزاءً أخرى من الأرض العربية هو المهدِّد للأمن القومي كله، ولا يستطيع أحد إقناع الشعوب بعكس ذلك.. ومهما كان دور القوى المناهضة للهيمنة الإمبريالية على الصعيد الإقليمي والدولي، تبقى هزيمة المشروع الإمبريالي الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط غير ممكنه إلا بالجماهير العربية التي تقع عليها مهمة وضع حد للعربدة الأمريكية والصهيونية.

وإذا كانت الغاية الاستراتيجية الأمريكية تتحدَّد بثلاث نقاط جوهرية: تأمين النفط من المنابع للمصبات، وحماية الكيان الصهيونى، وإبقاء المنطقة سوقا استهلاكيا للبضائع الغربية، فإنَّ المستجدات الدولية الراهنة تتطلب إدغام الكيان الصهيوني في المنطقة قسرا حتى تطمئن على وجوده الدائم؛ وهو المعيار الأساسي الذي من خلاله يقاس نجاح أو فشل السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط في هذه المرحلة، وحتى تتمكن أيضًا من التفرغ لمواجهة الصين وروسيا في مناطق أخرى من العالم.