هل تحققت أهداف زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة العربية؟!

د. محمد بن عوض المشيخي *

تابعنا طوال الأسابيع الماضية، ومنذ الإعلان عن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للشرق الأوسط، جدول أعمال الزيارة التي أعلنها البيت الأبيض، فكانت أهم الملفات التي حملها الرئيس لمناقشتها مع قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وملك الأردن ورئيس وزراء العراق ورئيس جمهورية مصر العربية، ملف الطاقة المتمثل في النفط والغاز؛ إذ إنَّ المطلوب في هذا الملف هو زيادة الإنتاج لإغراق أسواق النفط العالمية بكميات كبيرة من النفط الخام؛ بهدف تخفيض الأسعار؛ التي انخفضت بالفعل بمجرد ركوب الرئيس الأمريكي طائرته المتجهة للمنطقة العربية.

ويهدف الرئيس الأمريكي من هذا العمل إلى تخفيض أسعار البنزين للمواطن الأمريكي الذي يُعاني من ارتفاع قيمة الطاقة منذ بداية حرب أوكرانيا وروسيا قبل خمسة أشهر من الآن؛ فالحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس جو بايدن قد يخسر في الانتخابات النصفية لمجلس النواب الأمريكي في نوفمبر المقبل. وقد أبدت المملكة التي تحتضن المؤتمر وأكبر دولة مُصدِّرة للنفط في العالم مرونة لطلب الصديق الأمريكي، فقد قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان -خلال قمة جدة التي اختتمت أعمالها يوم السبت الماضي بحضور جون بايدن- نية المملكة زيادة مستوى طاقتها الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يوميا، وهذا يعني بلغة الأرقام أن هذه الزيادة إذا تم تنفيذها ستقدر بمليوني وأربعمائة وعشرين ألف برميل، إذ إن إنتاج المملكة من النفط في الشهر الماضي يونيو 2022 قد بلغ 10.58 مليون برميل يوميا فقط، وذلك حسب بيانات منظمة أوبك.

كنا نأمل أن يُرفض الطلب الأمريكي حول زيادة الإنتاج؛ لأن هذه الزيادة مُضِرَّة بأسواق النفط والتعاون بين دول "أوبك بلس"، كما أنها بلا شك سوف تضرُّ الخطط التنموية في دول المنطقة؛ كونها تعتمد على إيرادات النفط التي تشكل في بعض الدول ما بين 60-70 بالمائة من الموازنات السنوية لهذه الدول وعلى وجه الخصوص رؤية "المملكة 2030" ورؤية "عمان 2040"، وكذلك الخطط التنموية التي تعتمد على إيرادات النفط في دول المجلس التعاون الخليجي الأخرى والعراق. يجب أن يُدرك الجميع أن الدول الكبرى لا تهمها إلا مصالحها بالدرجة الأولى، وقد أثبتت الأيام أن هذه الدول تُدير ظهرها لأصدقائها وحلفائها عند الشدائد. والسؤال المطروح: ماذا قدمت أمريكا لنا في الخليج عندما انخفض سعر النفط قبل بضعة سنوات وعانت شعوب المنطقة من المشاكل الاقتصادية والمديونيات الثقيلة؟

فحقيقة الأمر لم تُقدِّم لنا الدول الكبرى إلا الابتزاز لقادة المنطقة رغم ما تحتاجه دائما منا؛ مثل: الطاقة واستثمار أموالنا في السندات والبنوك الغربية التي قد لا تعود لأصحابها يوما ما، إضافة لاستنزاف أموال شعوب المنطقة التي تُقدَّر سنويا بمئات المليارات من الدولارات، في شراء طائرات حربية ومعدات عسكرية من شركاتها، ولكن هذه الترسانات تخذلنا عندما نحتاج لاستخدامها للدفاع عن النفس.

أما الملف الثاني الذي كان ضمن جدول أعمال زيارة الرئيس الأمريكي، فهو دمج إسرائيل في المحيط العربي، وإقامة تحالفات عسكرية وتأسيس منظومة دفاعية خليجية عربية مع الكيان الإسرائيلي. هذا كان هدف الرئيس الأمريكي ومن قبله الرئيس السابق ترامب؛ فالمستفيد الوحيد من هذه الزيارة هو دولة إسرائيل التي حصلت على ما تريد من المساعدات والحماية الأمريكية على طبق من ذهب، فتصريح الرئيس الأمريكي كان صادما للمشاعر الفلسطينية والرأي العام العربي من المحيط إلى الخليج، عندما قال: "أنا صهيوني أكثر من الصهاينة"؛ ولكن الذي أثلج صدورنا جميعا من المحيط إلى الخليج، كلمات معظم قادة المنطقة الذين أكدوا حقوق الشعب الفلسطيني، وكذلك أعربوا عن قلقهم من تسويف الإدارات الأمريكية المتعاقبة لقضية العرب الأولى، وعدم وجود حلول جادة لإقامة الدولة الفلسطينة حسب القرارات الدولية، بل الذي يريده الأمريكان والإسرائيليون هو التطبيع والدمج بدون ثمن، مع  تكريس الاحتلال للقدس الشريف والأراضي الفلسيطينة.

يبدو لي أنَّ موقف قادة العرب بالمجمل كان مشرفًا، وقد تمَّ رفض تشكيل تحالفات عسكرية مع إسرائيل بزعم مواجهة إيران، والتغاضي عن الأعمال البربرية والارهابية التي يرتكبها بشكل يومي جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.

وفي الختام.. لقد كان موقف سلطنة عُمان -حكومة وشعبا- من قضية فلسطين مُشرفا، ويدعو للفخر والاعتزاز. ولعل تصريح صاحب السمو نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والممثل الخاص لجلالة السلطان بعد قمة جدة، خير مثال على تلك المواقف الثابتة حول إقامة الدولة الفلسطينة وعاصمتها القدس الشريف؛ فالتاريخ لا يرحم من تخاذل عن نصرة الحق ووقف مع المعتدين والمحتلين.

 

* أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري