بديل التخطيط

مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

إنْ لم ترسم لنفسك خطة حتماً ستكون جزءا من خطط الآخرين، لكن هل تعتقد أن الآخر قد خطط لك، أم أصبحت مجرد وسيلة لتحقيق غاياته؟.. الخطط الإستراتيجية ليست فكرة حديثة فهي قديمة، وإن اختلف الاصطلاح، وكنظرية من نظريات الإدارة ظهرت الخطط خلال الحرب العالمية الثانية. وبعدها، فقد شارك باحثو اقتصاد التنمية في عملية التخطيط في المملكة المتحدة، بالاشتراك مع الوزراء آنذاك، إلا أنَّ التخطيط قد حقق فشلاً في العديد من الدول؛ لذلك تم إلغاؤه في الدول المتقدمة، وأوجدت بدائل إستراتيجية أخرى أكثر مرونة. أما الدول النامية، فقد استمرت في التخطيط.

وانتهجتْ الدول النامية في الخمسينيات والستينيات النموذج الشمولي لما وجدت فيه من سمات تنسجم مع رؤيتها وأهدافها في الاستقلال، والنمو الاقتصادي السريع والاعتماد الذاتي، على اعتبار أن الحكومة هي أساس التنمية، وكانت الهند من الدول الرائدة في مجال التخطيط التنموي، ودول الجنوب الآسيوي التي اتجهت إلى التصنيع. وقد دعا مُخططو التنمية في الستينيات أمثال آثر لويس إلى اتباع خطط قصيرة الأجل من سنة إلى سنتين تخضع للمراجعة والتقييم، وإضافة معلومات جديدة بشكل مستمر تكون تحت إشراف الحكومة.

لم تتبع كل الدول النامية النموذج الشمولي في التخطيط التنموي آنذاك، رغم دعوات الأمم المتحدة والوكالات الدولية لها، إلى ضرورة التخطيط المركزي، فقد اعتمدت بعض الدول كالمكسيك نموذج التخطيط على مستوى المشروع، وحققت نموًّا اقتصاديًّا سريعاً الأفضل ما بين دول اللاتينية فترة الخمسينيات والستينيات.

إنَّ مُعظم الخطط التنموية في الدول النامية، تعتمد على المساعدات الأجنبية والخارجية، والدعم المالي، والفني من الوكالات الدولية، والبنوك العالمية من الخمسينيات القرن الماضي حتى يومنا، لذلك فهي خطط وضعت وفق تطلعات الخارج.

ويرى باحثون من البنك الدولي أنه طالما أنَّ الدول النامية تميل إلى ثقافة التخطيط، فإنَّه عليها أن تتخلص من النماذج المعقدة، غير مرنة من الخطط التي تندرج تحت مسميات طويلة أو قصيرة المدى، وتستبدلها بأسلوب مرن يسمح للمخططين التعامل السريع مع المشكلات والبيئة المتغيرة للخطة، وتعتمد على تشجيع المشاركة من كافة الأطراف المعنية بالتخطيط، وأن تُصاغ الخطط لحل المشكلات والقضايا مبنية على الواقع ووقائع بحتة، ومعلومات واضحة غير مضللة، بعيداً عن العبارات الفضفاضة والجمل المنمقة التي تحتمل اكثر من تأويل.

من عيوب الخطط الطويلة المدى أنَّ المستقبل غير واضح ومتغير؛ وبالتالي لا يمكن أن يصاغ خطة يراد بها تحقيق هدف بعد عشرين عاما على سبيل المثال في عالم متذبذب سياسيا واقتصاديا، كما أن الخطط الطويلة تقتل الإبداع وابتكار الحلول، فنحن نشهد تطوراً متسارعاً وتقدم في كل مجالات الحياة في كل دقيقة.

من جانب آخر، فإنَّ المعلومات التي تبنى بها الخطط الطويلة قد تصبح من الماضي في القريب؛ وبالتالي يصبح المستقبل مبنيا على توقعات ومعلومات غير دقيقة فاقدة الصحة إلى حد كبير.

وفي العام 2008 في عُمق الأزمة الاقتصادية، فشلت الكثير من الشركات من المضي قدما لتنفيذ خططها الإستراتيجية، ولم تجد البدائل المناسبة وأصبحت الخطط قيدا، ولم تعد خارطة للمستقبل، وبدأت المؤسسات تتذمر من الخطط الإستراتيجية، وإن عدنا إلى الوراء وقبل الأزمة الاقتصادية، فإن نسبة قليلة من المؤسسات التي تستطيع تنفيذ ثلاثة في المئة من خططها الإستراتيجية طويلة المدى.

أغلب المؤسسات تنظم دورات في التخطيط أو ترسل كوادرها إلى مؤتمرات وندوات لتعلم أحدث أساليب التخطيط وتنفق أموالا كثيرة في هذا الشأن، وعندما يحين وقت التخطيط لا نراهم يشاركون في وضع الخطط أو صناعة القرار، ولا يجدون متنفسا للتطبيق ما تعلموه. والمفارقة أننا نرى قيادات المؤسسات يدرسون التخطيط ويتقنونه نظريًّا لكن لا يستطيعون التطبيق، نتيجة عدم وجود قرار واضح مُلزِم للمؤسسات في شأن تطبيق الخطط، التي أُنفقت عليها أموال لغياب المحاسبة والمسألة؛ وبالتالي فإنَّ الخطط التنموية تظل مجرد حبر على الورق.

فهناك من لا يؤمن بجدوى التخطيط وفاعليته، ويعتبرون أن ما يقوم به الموظف من العمل الفعلي، لا يستوجب وجود خطط وأهداف للعمل، طالما أنَّ ذلك يفي بالغرض، عادة ما تبدأ مشروعات التخطيط بالمؤسسات، باجتماعات طموحة وأفكار جديدة وحماس آسر، وتتنهي بأفكار تذوب بين ثنايا الورق، لأن ثقافة التخطيط ما زالت ترى من الخطة الإستراتيجية مجرد وسيلة لتأطير ما يقوم بها الموظفون في الواقع!