500 ألف دولار لدعم الإلحاد في الشرق الأوسط.. لماذا؟!

د. حمد بن سعيد الرحبي

أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، مُؤخرًا، تقديم منحة مالية قدرها نصف مليون دولار للملحدين في الشرق الأوسط، وحدَّدت وزارة الخارجية موقع الأنشطة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ووفقاً لمكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل (DRL)، ستُستخدم الأموال لإنشاء وتقوية "شبكات من المدافعين عن المجتمعات المتنوعة من الملحدين والإنسانيين وغير المُمارسين وغير المنتسبين من جميع الطوائف الدينية في البلدان المستهدفة".

إنَّ هذا الدعم المباشر والصريح من الحكومة الأمريكية لنشر الإلحاد في هذه المناطق يُعد سابقة خطيرة تتعلق بالتغيير الديموغرافي للتركيبة الدينية للمجتمعات المستهدفة، وكما هو معلوم فإنَّ الإلحاد من أشد المخاطر التي تواجه الأفراد والمجتمعات والدول، وقد يظن البعض أنَّ الإلحاد هو الشرك بالله تعالى فقط، ولكن هناك أنواع كثيرة من الإلحاد؛ تتمثل في: تقبل وترويج الأفكار التي تؤدي للإلحاد؛ مثل: الحركة المثلية والحركة النسوية ومطالبات تحرُّر المرأة والحرية المطلقة ضد الدولة... وغيرها.

إنَّ خطورة الإلحاد على الفرد والمجتمع كثيرة ومتعددة؛ ومن بينها أنَّه يفرز أفرادًا بلا هوية ولا وطنية ولا حب للأوطان أو الدفاع عنها، والأدهى من ذلك أنه يسبب اضطرابات في النفس البشرية السوية؛ مما يؤدي لموت الضمير لدى الفرد وحب الذات والمادة على حساب حقوق الآخرين، والوصول إلى الغايات بأي وسيلة خارج نطاق الأعراف والقوانين والأخلاق، ناهيك عن القلق والصراع الفكري والنفسي بين الفرد وذاته وبين الفرد والآخرين.

وفي هذا المقال، نودُّ التركيز أكثر على كيفية تحصين الفرد والمجتمع والوطن من خطورة هذا الوباء الفتاك، وقبل الحديث عن ذلك نود معرفة كيف يسرِّب هؤلاء المغرضين سُمَّ الإلحاد في النفس البشرية؟

لا شكَّ أنَّ ذلك يتم بطرق شتى؛ من بينها: استخدام منهجية أو أسلوب التدرج في نشر الأفكار السامة في المجتمعات؛ من خلال زرعها في فكر الأطفال والشباب، خاصة باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية وتضخيم وتلميع الشخصيات المشهورة الشاذة كمثال على أرض الواقع للنجاح والتحضر وحرية العيش بلا دين أو معتقد، ويتم التركيز حاليا على فئة الإناث أكثر من الأولاد لسهولة تقبلهن للأفكار وربطها بالموضة والتحضر، وأيضاً لخطورة تأثيرها في هدم كيان الأسرة مستقبلا.

ونُلاحظ أنه تمَّ استغلال فضاء العالم الافتراضي بشكل عام ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص خلال فترة جائحة كورونا أكثر من أي وقت مضى، لنشر سموم وإفرازات الإلحاد، وظهر ما يُسمى "الإلحاد الإلكتروني" وشبكات منظمة للدعوة إلى حرية المعتقد أو الحرية المطلقة للرأي أو حرية الأفكار أو اللباس...وغيرها في عدد من المنتديات أو مجموعات متصلة بمواقع التواصل الاجتماعي.

... إنَّ الوعي والمعرفة هي الحصن الحصين لدرء هذا الخطر، ويأتي ذلك من خلال ابتكار أفكار وأساليب تربوية وطرق حديثة لمواجهته وليس فقط الاعتماد على الوسائل التقليدية؛ لأن العالم يتغير ويتقدم، ويجب أن نواكبه أيضاً بتقنيات ووسائل حديثة.. على سبيل المثال لا الحصر: ابتكار ألعاب إلكترونية للأطفال تزرع فيهم التوحيد والأخلاق، وكذلك إنتاج أفلام الكرتون التي تنمِّي فيهم القيم والمبادئ السليمة، ناهيك عن تفعيل دور الأسرة والوالدين تحديدًا في إنبات بذور التوحيد والفطرة السوية في نفوس الأبناء منذ الصغر.

أمَّا فيما يتعلق بتحصين الشباب، فهناك طرق حديثة وكثيرة في هذا المجال؛ أخص بالذكر: موضوع الحوار الإيجابي معهم، واحتضان أفكارهم وتصحيحها بالحكمة والموعظة الحسنة باستخدام منابر التقنية والإعلام الحديث المتمثل في مواقع التواصل الاجتماعي والمقاطع القصيرة الإيجابية والمؤثرة في هذا المجال، وأيضًا نوجِّه الدعوة للكتاب والمثقفين ومشاهير التواصل الاجتماعي بتضمين أفكار التوحيد والأخلاق بشكل عام في كتاباتهم للمقالات والقصص والروايات، أو عند إنتاج الأفلام أو حوارات الشباب في المنتديات والتجمعات الرياضية أو المدرسية أو الجامعية.

ولا شك أنَّ الهدف واحد، والمصير أيضًا واحد؛ فالمحافظة على الفرد هي محافظة على كيان الوطن والدولة من غير إفراط أو تفريط، ومن دون غلو أو تطرف لبناء الشخصية السليمة والإيجابية للفرد، والمساهمة الفعالة لبناء الوطن وازدهاره.

Oman99433@gmail.com