الصين وعُمان.. صداقة منذ فجر التاريخ

تشو شيوان *

هذه أولى المقالات التي أكتبها للأصدقاء في سلطنة عُمان، ولهذا أجد أنه من الضروري استعراض العلاقات المتميزة بين الصين والسلطنة، والتعريف بأنَّ آفاق التعاون بين بلدينا آفاق كبيرة وواسعة، قوامها التنمية المستدامة والشراكة والمنفعة المتبادلة.

العلاقات الصينية العُمانية علاقة ممتدة منذ فجر التاريخ؛ فقبل أكثر من 1000 عام كانت التجارة بين الصين وعُمان مزدهرة جدًّا، وكانت الخطوط البحرية بين الدولتين تشهد نشاطًا ملحوظًا؛ فقد كان التجار العُمانيون مصدرًا للبان العُماني وللتوابل والبهارات والبخور والعطور بالنسبة للصين، وكانوا يستوردون الكثير من البضائع من الصين، وقد وصف عالم البلدان محمد بن عبد المنعم الحميري عُمان بأنها "فرضة الصين ومرفأها"؛ نظراً للتبادل التجاري بينها وبين الصين، وهذه الأسس التاريخية هي من جعلت العلاقات بين البلدين تزدهر وتستمر في نموها وتطورها حتى يومنا هذا.

الصين أكبر شريك تجاري لعُمان منذ سنوات، والصين أكبر دولة مستوردة للنفط العماني. وفي المقابل، عُمان هي رابع أكبر شريك تجاري للصين في منطقة الشرق الأوسط، وهذا يأخذنا لنقطة مهمة بأنَّ كلا البلدين يعمل على تأسيس علاقة مشتركة ووثيقة ترتقي لعلاقة استراتيجية شاملة في قادم السنوات، وهذا ما نطمح إليه ويطمح له الكثير من العُمانيين، وبالفعل أتفقت الصين وسلطنة عُمان في العام 2018 على ترفيع العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وتم تخطيط الكثير من المشاريع لتكون السلطنة نقطة مهمة في مبادرة الحزام والطريق لكونها تمتلك موقعا استراتيجيا في الخليج العربي وبحر العرب، ونافذة مهمة على الكثير من دول المنطقة.

وخلال السنوات الماضية، شهدت السلطنة نموا كبيرا في المشاريع الصناعية الصينية، خصوصًا مع إنشاء المدينة الصناعية الصينية-العمانية بالدقم على ساحل بحر العرب، والتي تُعد من أكبر المناطق الصناعية في السلطنة، ويُتوقع أن تكون المدينة إحدى أهم المناطق الصناعية في منطقة الشرق الأوسط. وفي العام 2016 أدرجت لجنة الصين للتنمية والإصلاح هذه المدينة الصناعية في قائمة العشرين منطقة النموذجية للتعاون الدولي في مجال القدرة الإنتاجية، وحددتها وزارة التجارة الصينية واحدة من بين 16 منطقة مهمة للتعاون الدولي في مجال القدرة الإنتاجية. وهذا يُبين أن الصين تجد في عُمان الشريك الاستراتيجي للعلاقات الخارجية المثمرة والناجحة، والتي ستعود على كلا البلدين وعلى المنطقة بالمنفعة المتبادلة، خصوصا ونحن نشاهد ثمار هذه الشراكة من خلال منتجات صناعية تطورها وتنتجها المنطقة الصناعية الصينية العُمانية والتي سيكون لها تأثيرها ووجودها في الأسواق في مختلف المجالات.

لا يُمكن -بأي حال من الأحوال- إنكار أنَّ الصين تسعى لفتح نوافذ جديدة على العالم، وخلق شراكات استراتيجية مع الكثير من الدول، وأيضًا لدى عُمان خطط مستقبلية في تطوير البنية الأساسية، ورؤى لتحسين الاقتصاد ودفعه باتجاه التنمية المستدامة، والصين شريك موثوق للتنمية والبناء، ومن يتابع تحركات الصين وسعيها لتوسيع العلاقات الدولية سيجد أن عنصر البناء والتنمية والمنفعة المتبادلة إحدى أهم الركائز التي تبني من خلاله الصين علاقاتها مع الدول الأخرى، إضافة لدعم الصين الكثير من مشاريع تحسين وتطوير البنية الأساسية في الكثير من الدول؛ سواء عن طريق "مبادرة الحزام والطريق" أو من خلال مشاريع خاصة تقوم الصين بدعمها أو بنائها، وهذا الأمر سيساعد سلطنة عُمان للاستفادة من هذه الموارد لرسم علاقة ثنائية مشتركة قوامها التنمية والبناء والمنفعة المشتركة.

وعلى المستوى السياسي والدبلوماسي، فالصين تعزِّز حضورها من خلال السلام والتعايش السلمي مع الجميع، وسلطنة عُمان لديها نفس المبدأ في علاقاتها الخارجية، وهذا سيساعد في تطوير العمل السياسي في قادم السنوات، خصوصاً في ظل تحولات عالمية فيها من الشد والجذب والصراع ما هو خطير ومربك للجميع، ومن الضروري تعميق الشراكات والعمل على بناء مجتمع متعدد الأطراف وتعزيز رؤية الصين للعلاقات العالمية والمبنية على المصير المشترك للبشرية، والذي يتناسب بشكل كامل مع سياسة عُمان والتي تدعو دائما للانفتاح على الآخر وتعزيز الروابط المشتركة مع الجميع.

لدى الصين الكثير من الخبرات في مجالات الاقتصاد الرقمي والمستقبلي والاقتصاد القائم على الخدمات، وقد شهدت هذه القطاعات تطورات مأهولة في الصين خلال السنوات القليلة الماضية، وأجد أن هذا الأمر فرصة جيدة للتعاون بين الصين وعُمان، خصوصًا وأننا نتحدث عن اقتصاد مستقبلي سيكون له تأثيره الواضح والكبير في قادم السنوات، وبناء شراكات عميقة في هذا الجانب بين البلدين سيخلق بيئة تنافسية تقوم الاقتصاد وتسانده في المضي قدما تماشيا مع متغيرات العصر والعولمة واقتصاد المعرفة القادم.

ومن الأمور التي أجد فيها آفاقًا كبيرة للتعاون بين الصين وعُمان: مشاريع الطاقة المتجددة، خصوصًا مشاريع الطاقة الشمسية، فالصين تبني الكثير من هذه المشاريع في منطقة الخليج العربي، خصوصًا في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وهذا يساعد على تعزيز التعاون بين عُمان والصين في مجالات الطاقة المتجددة؛ حيث إن هذا الأمر سيساعد السلطنة على تنويع مصادر الطاقة الخاصة بها، ولن تجد أفضل من الصين خبرة في تنفيذ هذه المشاريع بمستويات جودة عالية وبتكنولوجيا متطورة وبتكلفة مناسبة، وأيضًا بسرعة في الإنجاز والتطوير، وتتمتع عُمان بالكثير من المقومات الجغرافية والطبيعية التي تُمكنها من الاستفادة من الكثير من المواد الطبيعية لتوليد الطاقة الكهربائية، وهذا باب كبير للتعاون بين البلدين في قادم السنوات.

يُمكننا تلخيص العلاقة بين البلدين في أن الصين تجد في عُمان لؤلؤة جميلة في الخليج العربي، وعُمان تجد في الصين شريكا صناعيا وتجاريا موثوقا، وسنجد بأن العلاقة بين البلدين سوف تتطور بشكل لافت في قادم الأيام خصوصا وأن العلاقة مبنية على أسس تاريخية وتطلعات مستقبلية مشتركة.

 

* صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية ـ العربية

تعليق عبر الفيس بوك