زيارة بايدن.. لماذا كل هذه الضجة؟

◄ علينا أن نعتد بما نملك من قوة قرارات واقتصاد وقوة عسكرية لكي نكون رقما أصعب وأكثر قوة مما يُنظر إلينا

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

في الثقافة العُمانية الأصيلة وعندما يكون واقع الأمر ملموساً، فإنَّ وسيلة واحدة من أهم الوسائل الحسية تكفي لتحليل ومعرفة الواقع، حتى للذين يفقدون واحدة منها؛ مثل: السمع أو البصر، ويسقطونها على البرق والرعد.

زيارة بايدن ليست أوَّل زيارة لرئيس أمريكي للمنطقة، وهذا الرجل لا يختلف اختلافا جذريًّا عن قادة الولايات المتحدة الأمريكية عبر تاريخها، وكذلك فإنها لن تكون الزيارة الأخيرة إذا استمرت الكرة الأرضية في مدارها الطبيعي. إذن: لماذا كل هذه الصخب الإعلامي والتحاليل والتوجُّسات ومن مختلف شرائح البشر؟ وقبل أن أُدلي بدلوي، وما أقرأ من حقائق، نحن بحاجة ماسَّة وبأكثر أهمية من أي وقتٍ مضى لمعرفة التاريخ والوضع الدولي السائد، ولأنه كُتب لنا نحن الذين نعيش المرحلة، وعلينا أن نقرأ الأحداث العالمية كما يجب، وهل هي شبيهة بمرحلة ما بعد نهاية الحرب الكونية الثانية؟ وحتى لو لم تحدث حرب كونية ثالثة، إلا أنَّ الأيام تبدو شبيهة إلى حدٍّ بعيد، فعندما التقى الرئيس الأمريكي روزفلت بالملك عبدالعزيز على متن الطراد الأمريكي يو-إس كوينسي عام 1945م، فإنَّني شخصيًّا أقرأ أنَّ رؤية الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك والتي حملها رئيسها كانت أكبر وأبعد مما تمَّ التوصل إليه في الاتفاقية التي سميت آنذاك باتفاقية كوينسي نسبة إلى الطراد الذي تمَّ فيه اللقاء، ولأنَّ الاتفاقية لم تحمل في روح بنودها أيَّ التزام قد يعني البعد الذي يتمناه الغرب، رغم وجود بنود عامة على درجة كبيرة من الأهمية، وقد يكون لذلك اللقاء تأثير غير مباشر إلى هذا اليوم.

الكثير من العامة يعتقدون أنَّ التشبث والتمسك بالرأي في اتجاه واحد هو من مصلحة أي دولة، غير أنَّ ما يمر به العالم اليوم وما يتم من قرارات قد يُؤثر على مسار دولنا إلى مرحلة لاحقة حتى تأتي مرحلة فاصلة أخرى، وهو بحاجة إلى توازن في القرار والرؤية، وبكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ ذلك فإنَّ أقطاب العالم الجديد ليست في مرحلة تشكل، وإنما هي في مرحلة الاستقرار، وأن رؤية ذلك بدأت بالتشكل من زمن ليس بقصير، وهناك دولٌ عديدة رسمت خططًا وأساليبَ وأنظمة لتغيير وجه العالم في أسلوب القيادة، وهذه التغيرات على مستوى العالم وتبادل الأدوار ليست بالجديدة؛ فالكثير من الدول تستمد طموحها من ماضيها وطموح شعوبها، وما تملك من مقومات وليس من خلال الأحلام والرؤى قصيرة المدى.

علينا أن نعلم جميعاً من مستوى الساسة إلى الشعوب أن المنتصرين في الحرب العالمية الثانية حققوا مزايا وتوجهات وأسلوب قيادة جعلت من الجميع في وضع يخدم برامجهم، بل حتى ثقافتهم وما يناسب دولهم  بأسلوبٍ أو بآخر، حتى لو لم يكن ذلك عن طريق الاحتلال المباشر، واليوم هناك جهد ملموس وحِراك واستقطاب لخدمة أجندات عالمية متصارعة متضادة، لذلك علينا الحذر الشديد كي لا نقع فريسةً سهلة لهذا أو ذاك، إنما علينا أن نعتدُّ بما نملك من قوة قرارات واقتصاد وقوة عسكرية لكي نكون رقماً أصعب وأكثر قوة مما يُنظر إلينا، وإن أهم قوةٍ أرى أنها السيف القاطع في وجه كل هذه التحديات هي تلك العلاقة الوطيدة بين القيادة والشعوب وتسخير ما تملك الدول وبكل اقتدار لخدمة شعوبها؛ لأنني -وعن اطلاعٍ بعيد وقراءةٍ متأنية- لم أرَ دولةً أو حتى إمبراطوريات سقطت وهي مُتماسكة، وعلى الجميع أن يُدرك أن جعل الدول أعلى  من  أي شيء آخر، وبطرق التوضيح والعطاء والمشاركة والبساطة بين القيادةِ والشعوب، هي الوسيلة المثلى لمُواجهة أهم التحديات.

ولقد تمَّ في الماضي القريب استغلال التفرقة الدينية والاجتماعية والقبلية والملل بأفضل ما يكون، وأن أصحاب الوطن الواحد عليهم أن يكونوا أكثر تسامحاً وتقارباً كي لا يجد أي عدو فرصة للشقاق.

وأخيرًا.. فإذا كان العالم الثالث كوَّن ما يُسمى بـ"دول عدم الانحياز" عندما واجه نفس الظرف، فإنَّ علينا اليوم أن نكون في خيارٍ مُشابه مُتزن، دون الانخراط أو السباحة في تيارٍ لا نعلم إلى أين سيُوصِل هذا العالم الذي نشارك العالم جزءاً منه!!