"شجاعة فارغة" أفسدت فرحة العيد

علي بن بدر البوسعيدي

ما إنْ انهمرتْ الأمطارُ حتى ارتفعت أكف الجميع إلى السماء، شاكرةً العاطي الوهاب على ما أنعم به علينا من غيث مِدرار في أيام قيظ اعتدنا عليها نحن أهل عُمان في هذا التوقيت من كل عام، واعتلى الفرح وجوه الناس كبارا وصغارا، وسكنت الطمأنينة في القلوب، لتكتمل بها ومعها الأفراح وبات العيد عيدين.

نزلت الأودية، وازدانت الجبال والسيوح، واغتسلتْ الأرض بعد جفاف طويل، إلا أن صفاء هذه الصورة ونقاءها عكَّرته حوادث أليمة ووفيات فُجع بها كل من يعيش على أرض هذا الوطن الطيب أهله، 21 حالة وفاة لأشخاص (أطفال وشباب وكبار) جرفتهم الأودية، ليلقوا حتفهم في ظرف أسبوع واحدٍ، وضجت وسائل التواصل الاجتماعي بصور ومشاهد مُؤلمة، لم يخفف وطأتها قليلا سوى جهود أبناء عُمان الأشاوس من أبناء الأجهزة العسكرية والشرطية، ممن بذلوا ولا يزالون كل ما في طاقتهم ووسعهم من أجل البحث عن المفقودين، وحماية غيرهم، وبث الطمأنينة في نفوس الجميع.

21 حالة فقد ووفاة.. رقم كبير بكل ما يحمله من أسى وبكل ما أدمى من قلوب، رقم يستحق أن نتوقف قليلًا ونسأل: لم؟ وكيف؟ وماذا بعد؟ لم هذا الكم الذي شاهدناه من استسهتار وتجرؤ على عبور الأودية في جريانها؟ هل يعتقد أمثال هؤلاء المغامرين أنهم بذلك ملكوا الشجاعة؟ كلا والله، لقد ألقوا بأنفسهم إلى التهلكة.. أيُّ مُغامرة وأي شجاعة تلك التي تكلفك حياتك وحياة أبنائك وإخوانك وفلذات أكبادك؟

وخيرًا فعلت هيئة الدفاع المدني والإسعاف، بإعلانها أمس أنَّه سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضد من يُعرِّض نفسه والآخرين للخطر، مثل: الوقوف على المنحدرات والارتفاعات الشاهقة، وتعمد عبور مجاري الأودية أثناء جريانها، وهو في رأيي عين الصواب، حفاظًا على الأرواح وتخفيفًا للضغط عن كاهل رجال الدفاع المدني وشرطة عمان السلطانية وسلاح الجو السلطاني العماني وكافة التشكيلات العسكرية والشرطية.. لقد تعبنا كثيرًا ونحن نردد بأعلى صوت: "الزموا الحذر من الأمطار"، "الزموا الحذر من الأمطار"، "الزموا الحذر من الأمطار". آن الأوان أن نسمع ونعتبر، وأعود لأذكر بقوله تعالى: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين"، وقوله كذلك: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما".