زوايا العيد

فاطمة الحارثية

"كل عبارة نقولها أو نكتبها هي جزء من قصة".

نجتهد كثيرا حتى لا نتعلق بأحد أو نتغير من أجل أحد، بالرغم من أن التغيير جزء من نمونا الطبيعي ومقاومته ليست إلا عراقيل نصنعها لأنفسنا، لأننا نهتم، فنحن نتغير، لأننا نريد أن نحقق شيئا جميلا أو إنجازا رائعا نحن نتغير؛ لأن الحياة محطات ولكي نستطيع أن نخرج من محطة وننتقل إلى محطة أخرى نحتاج أن نتغير، كنا صغارا وأصبحنا كبارا عندما تغيرنا، كنا على علم محدود وأصبحنا على أرصفة النضج لأننا نتغير، تختلف العلاقات من حولنا وتتجدد ونتعرف على ناس ونرحل عن ناس لأننا نتغير.

يرحل عنا ونفقد ونشتاق ونحاول المضي قدما ولا يتحقق ذلك إلا إذا تغيرنا، إذا لا طائل من المقاومة ومحاولة الوقوف حيث راحة البال، لأنها لا تتحقق إلا إذا قبلنا التغيير كجزء من وجودنا، وكفرصة تعطينا أكثر مما نتمنى أو نتخيل أو نسعى له.

إذن لا بأس من التغيير، فهو طريقنا للمضي نحو الأهداف والشعور بأننا مازلنا هنا؛ وهذا هو عيدنا القريب الغريب، عيد غاب عنه الكثير، وتغيرنا، واغتربنا بين زواياه، وجوه اعتدنا عليها، تركتنا ورحلت، ضحكات اعتدنا عليها أصبحت صدى لا يسمعها إلا حنين قلوبنا، عيدٌ لن نرى فيه تلك الأنفس المزدانة بالحب والدفء والخير، لن تدفعنا تلك الأصوات نحو الإسراع لإنهاء زينة العيد حتى لا نتأخر، لن تمنعنا من إضافة الماء على العرسية حتى لا تخرب، ولن تهزأ بضعف أذرعنا في ضرب العرسية، ولن نسمعها وهي تقول لنا "اضرب هنا"، "اضرب عدل"، "جيب أعلمك"، "هين البخور"، "صلاة صلاة" لن نسمع تلك الكلمات وأكثر... وأكثر، ضاعت زوايا العيد وما زلنا على البساط نجتمع، ونتجرع الدموع مع قطع العرسية، المغموسة بالسمن والطرشة اللزجة على أصابعنا، أراكم رغم الغياب، ابتسم لأطياف لا تغادرني، أرواح طاهرة حاضرة رغم رحيلها، حضر الضيوف، وأشباه الشفقة على أعينهم، وعلى وجوههم ابتسامات لا معجم يُفسرها لي، سوف تمر أثوابنا على بخور العيد إلا ثوبك، سوف  تتعاقب فناجين القهوة إلا فنجانك، سوف تدور الحلوى وتتخطى طيفك دون تردد، آآه هي الزوايا دونك ودون ريحك وحسك، قد تغيرت ولكنها لا تسمح لنا أن نغترب عنها وإن تغيرنا.

نعاني الفقد ونمطي، نضحك والقلب منكسر، وكتف توكأنا عليه قد ضُمر في قبره، وحب نرفض أن يرفق ذكره "حياته.. كان"، ونبقى محتفظين بكلمات أزهرت الأمل ورسخت بعض القوة لقوت يأتي بالغد ونستمر.

سمو...

لا نعلم متى الرحيل، لكننا قد تعلمنا كيف تكون الحياة بعد أيام العزاء، تذوقنا حزن الفقد، وضجيج الحنين، وتعلمنا بكل تأكيد أن الوجود وإن استمر يتغير معه كل شيء مع كل زيارة قبر.

وتعلمت أن الموت ليس هجرا، وأنه لا بأس من الحزن لكن لا غضب بل الحمد لله.