محو العزلة

سليمان المجيني

tafaseel@gmail.com

لا يكاد يبزغ فجر يوم جديد إلا ونسمع حكاية من حكايات هذا الزمان. هذا الزمان الذي نبحث فيه عن أنفسنا بين أكماته وأوديته وسهوله، وحينما نستشرف كل حكاية فإن ردود أفعالنا متفاوتة إلا من سمط نسترسل به هذه الحياة ونشدها لا حيلة ولا مِنعة لنا غير التشبث بما نملكه من معرفة حتى لا يتم الإيقاع بنا.

آخر الألاعيب التي تشد مسامعنا وتوسع أحداقنا هي إصرار المحلات التجارية على إيذائنا في مستقرنا ومثوانا، في قوت يومنا وأرزاقنا، في تطلعاتنا للمستقبل، وفي تطورنا للأفضل.

تأتينا العديد من الرسائل الصوتية على هواتفنا تنتقد فيه بعض المحلات التجارية التي تتلاعب بأسعار السلع، بل تفضح تعاملات البعض وكيف يتم مضاعفة أسعار بعضها وتدوين بعض السلع غير المشتراة في فاتورة الشراء وهو أمر يتكرر في بعض المحلات دون مراعاة لمشاعر الناس ولا حتى خشية من مؤسسات الدولة.

هذا الأمر يشي بالفساد وينشره بين أفراد المجتمع كافة، الأمر الذي يشجع أيضا أصحاب الحيل والفساد للإمعان فيه وتعميقه. هذا الانتقال في مستوى الاحتيال يجعل الاحتيال الأول أمرا طبيعيا وغير مقصود بسبب البرمجة الخطأ أو عدم الانتباه أو أي عذر قبيح آخر، وكم نحتاج أن نعتذر من أفراد وقعوا ضحية لهذا الخطأ أو الحيلة.

على مؤسسات الدولة المعنية تشديد العقوبة ومضاعفتها في حال التكرار حتى تصل إلى تجميد نشاط تلك المؤسسة لفترات طويلة؛ فالسواد الأعظم من الشعب هو المتضرر، هم أكثر أفراد الشعب استهلاكا للسلع في محلات المواد الغذائية والكماليات المختلفة، لنعتبرها قضيتنا جميعا؛ فالمجتمع يتعرض للسرقة وللإهانة والاستغفال، وهي جرائم يعاقب عليها القانون.

نحن نتشارك الآن الرأي مع الحكومة في كثير من الأشياء من خلال مجلس الشورى والمجلس البلدي ووسائل التواصل التي تقربنا من صانع القرار بشكل فوري ومباشر، الآن تصل المعلومة بشكل أيسر وأسرع عن ذي قبل ولا تحتاج دراسة أي موضوع سوى تبيان ومن ثم اتخاذ القرار، رغم كل هذا فإن البعض يشعر بالعزلة والانزواء في مجتمعه الفاضل.

ولا أخفي سرًا؛ فكم اندهشت من مبلغ فاتورة الشراء بعض المرات ومع ذلك لم أشك يوما في شيء من الغش أو التحايل وها أنا الآن لا أعفي نفسي من ذلك، فلطالما شعرت بضيق من بعض النتائج، التفويت وقلة التركيز ومراعاة شعور الآخرين تجعلني أرجئ بعض النقاشات ثم أتناساها.   

ولأنني أعيش مواقف بعض الأفراد وأتصورها فقد ذكرني ذلك بموقف غريب حدث بالقرب مني؛ فعملي في مجال الإعلام والتواصل الاجتماعي جعلني أشرف على موقع حكومي حينما كان يحسب دخول فرد واحد على الموقع عن 100 شخص أو 1000 شخص حتى وصل المليون. أجري احتفال كبير بوصول الموقع إلى مليون مشاهدة في فترة زمنية محدودة، الشيء الذي يعد سابقة وأمرًا جدير بالاحتفاء. كان الضيف كبيرًا كما الحدث، وكنت متحدثًا عن ميزات الموقع، وأشعر بالفخر كوني المشرف والعامل عليه، أتصور الآن كيف تم استغفالي واستغفال الضيف وعدم احترامه واحترام وظيفته وعدم احترام الموظفين؛ بل والمجتمع، وأتساءل كيف للمسؤول الذي فرض فكرة مضاعفة المشاهدة الواحدة ولمن تواطأ أن يكون مؤتمنا على مصالح الناس. انتهى السباق الآن؛ فاز من فاز وخسر من خسر.

ولذا فإنني أطمع أن لا تضع المؤسسات الحكومية المسؤولة نفسها في مواجهة أفراد المجتمع وأن تكون على قدر الثقة لرعاية مصالحهم وأن تأخذ بالاعتبار تذمّر البعض من تلك المحلات التجارية ودراستها بشكل جدي، ومحو العزلة مع الأفراد الإيجابيين لأن المسألة أصبحت منتشرة (حسب تلك الرسائل)، وأصبح الغش في مختلف السلع متفاقما، وليس بغريب المداهمات المستمرة للعمالة المخالفة في بعض البلديات، وهيئة حماية المستهلك.

وللوصول إلى نتيجة واضحة من أجل ترتيب الأعمال ومنهجتها علميا فإن تعيين فريق لدراسة التركيبة الاجتماعية والنفسية وتلمس أهداف أصحاب المؤسسات المقصودة أمر في غاية الأهمية، يأتي ذلك جنبا إلى جنب مع مراقبة المخالفات وتحليلها وإيقاع العقوبة المناسبة لها، الأمر الذي من شأنه الحفاظ على كرامة الأفراد وأموالهم.

تعليق عبر الفيس بوك