أموال في مهب الريح

‏راشد بن حميد الراشدي **

بعض القوانين بات يستغلها بعض ممن يسمّون أنفسهم "مستثمرين"؛ حيث بكل سهولة يأخذون ما خف وزنه وغلا ثمنه من أموال الوطن والمواطنين، ثم يلوذون بالفرار خارج البلاد دون رجعة!

فقد أصبح نهب الأموال والسفر بها إلى الخارج، يحدث بلا حسيب ولا رقيب، الأمر الذي يجعلنا نبدي قلقًا تجاه ذلك، ففي كثير من الأحيان تصدمنا أنباء من مختلف الولايات تفيد بهروب عدد من العمالة الوافدة الى بلدانهم وقد سرقوا مبالغ كبيرة وخلفوا ورائهم ديون كثيرة على المؤسسات التي كانوا يعملون فيها، وبعضهم عاش وعمل في هذا الوطن لعشرات السنين، لكن عندما حانت لحظة الغدر لم يرقب إلًّا ولا ذمّة في فعل فِعلته، فهرب مخلفًا مُطالبات كبيرة على شركائه من المواطنين أو مؤسسته؛ كمستثمر وحيد لتلك المؤسسة، ونهب وهرب بلا رجعة، وهكذا الحال مع عشرات القضايا التي نسمع عنها وتصدح بها المحاكم.

ما دعاني للكتابة في هذا الصدد، قصة حدثت أمام مسمعي في ولايتي تفيد بهروب أحد المستثمرين الأجانب بعد عشرات السنين من العمل في عُمان، وقد خلّف مطالبات بمئات الألوف من الريالات بين عشية وضحاها، وعندما علم ضحاياه بالأمر، هرعوا مطالبين بحقوقهم ووجدوا أن المستثمر قد باع كل شيء وهرب بأموالهم الى بلاده دون رجعة!!

هذا مثال من أمثلة عدة يجب أن نقف عندها وأن نتدارسها وأن نجد الحلول الرادعة والسريعة لها، وإلّا لصارت ظاهرة تستنزف اقتصاد الوطن وتنهب من خيراته، وهذه مسؤولية يجب أن يشترك فيها الجميع خاصة الجهات المسؤولة في الدولة عن تطبيق القوانين المنظمة لكل تلك المؤسسات وعمل الأجانب والمستثمرين في عُمان.

فهل يُعقل أن أعطي امتيازات لمستثمر دون مراقبته ومراقبة حركة أمواله، والقوانين المنظمة لمؤسسته، دون حفظ حقوق الوطن والمواطنين؟!

إن ما يحدث أمر يدق جرس الإنذار المبكر ويجب أن تتكاتف جميع الجهات المعنية لإيجاد حلول ناجعة، ونقترح منها: فرض القوانين المنظمة والرادعة لهروب المستثمر أو الأجنبي، وإيجاد نظام براءة الذمة لجميع من يعمل من الأجانب في البلاد؛ سواء من البنوك أو مؤسساتهم أو غيرها بهدف تنظيم إصدار هذه الشهادات قبل خروج العامل الأجنبي أو المستثمر من البلاد. كما تجب مراقبة الحركة المالية للمستثمر وحساباته لدى البنوك؛ بما يكفل عدم تلاعبه بالأموال أو استجلاب أموال مشكوك فيها لغسلها عبر البنوك وعبر مؤسسته، خاصةً إذا علمنا أن الشهادة البنكية تصدر مرة واحدة بمبلغ المستثمر، ويمكن التلاعب بها، فمثلا يضع المستثمر 100 الف ريال لمدة يومين في أحد البنوك، ثم يسحب المبلغ بعد صدور الشهادة البنكية وكشف الحساب الذي يُقدّم إلى جهات الاختصاص.

حالات كثيرة من التحايل يمارسها عمال وافدون؛ لأن القوانين لم تعد كافية لمجابهة التحايل والسرقة والهروب بما يستطيعون جمعه من أموال، فيما يسقط عشرات المواطنين في فخاخهم وقد غفلوا عنهم وغابت عنهم تلك القوانين، وباتوا اليوم نزلاء السجون، بينما يطاردهم أصحاب المديونيات ليل نهار.

إنني أدعو الجميع مؤسسات وأفرادا، إلى التنبه من هذه الأمور الخطيرة جدًا، وأخذ الحيطة والحذر من الوقوع في مثل هذه المشكلات القاصمة للظهر، والتي حوّلت حياة الكثيرين إلى شقاء، بسبب هروب بعض المستثمرين أو العمال الأجانب.

ختامًا.. جنبنا الله وإياكم كل الشرور والمكائد والمصائب، وحفظ هذا الوطن وسلطانه وشعبه من كل مكيدة، وعسى القادم أفضل وأجمل بإذن الله.

** عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية