هم الساعة

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

يحدث أن تتعاقب علينا أيام الله تعالى وكل منا في أوضاع وحال مختلف، فلربما ذاك مريض ولكن ليس عليه دين، وذاكً محروم ولكنه صحيح الجسم ليس به علة أو سقم، وتجد آخر ليس له ولد ولكنه ثري وميسور، وآخر معدوم ولكنه رزق كثرة الأهل والأصحاب حوله، وتجد فقيرا منعَم عليه بالذرية، ولكنه ليس متعلما وليس له دخل ثابت يقتات منه وعياله، إلا ذلك الذي بالكاد يأكله يوم أو يومان، وهكذا هي الحياة الدنيا التي قسمت فيها معيشة البشر.

ومع هذا التباين بين الناس  فإن المولى- عزوجل- جعل حقوقًا في أموال الأثرياء، ومنها ما يجب أن يعطى ويخرج منه للفقراء والمساكين، كالزكاة مثلا، ولم يقتصر الحق تبارك مواساة الفقراء والمحتاجين وأصحاب الفاقة من الزكاة فقط؛ بل شرع الصدقات وأمر بها، وأباح العطاء والقروض الشرعية والتيسير بالحال والمال وحث عليه؛ إذ قال المولى عزوجل: "وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَآ أَخَّرْتَنِىٓ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ قَرِيبٍۢ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ". هُنا جل جلاله يبين بانه يا عبدي ما عندك من مال وسعة وخير ورزق وفير. أنا رزقتك إياه فانفق منه، ولولا أني لم أرزقك وأعطيك هذا وذاك، فلن تستطيع أنت بنفسك أن ترزق نفسك ولا ابنك أو بنتك أو أهلك أو أي قريب كان، سواء كان ذلك مالا أو جاها أو منصبا أو ولدا أو وظيفة.

وكما هو معلوم أن كل شيء بحوزتنا وعندنا ولدينا ولنا، هو رزق من الله علينا، تفضل وأنعم به علينا، ويأتي ذلك الإنعام والكرم الإلهي، مع كثرة الذنوب والتقصير المستمر والغفلات والزلات والخطايا، فحبنا له تعالى، ليس ذلك الحب الذي يجعلنا ننفذ كل أوامره ونطيعه فيها ولا نعصيه، ونشكره ولا نشرك معه أحدا تبارك وتعالى.

فالحب الصادق المخلص، يجعل الإنسان وفيا ومنقادا، خاصة إذا ما علمنا بأن ذاك الانقياد، فيه صلاحنا وفلاحنا ونجاحنا وفوزنا في الدنيا والاخرة، أما فوز الآخرة، فهي بتلك الجنة التي فيها لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فيا سلام يا سلام. لك أن تتخيل قارئي العزيز وأنت منعم في الجنة؛ خلود أبدي وصحة أبدية وشباب أبدي وراحة أبدية وسرور أبدي، ووالله حينما تتخيل ذلك، تعيف الدنيا برمتها.

أيها القارئ العزيز، إن كل رزق نرزق إياه، قد وضع الحق- تبارك وتعالى- فيه حقوقا للآخرين، كالعلم- مثلا- والمال والسيارة إلى آخر هذا الكلام، وبالتالي فإنه بعد أيام قليلة من اليوم، سيهلّ علينا عيد الأضحى المبارك، وسنكون في أيام شهر ذي الحجة، وحقيقة، هناك ناس يعيشوون هموما كبيرة، بسبب أن العيد سيأتي ولكن ليس بمقدورهم أن يسعدوا أولادهم وأسرهم وأنفسهم، بما يجملهم في العيد من ملابس ومستلزمات وحاجات، فمن هذا حاله، كيف له أن لا يعيش مهموما، وكيف له أن لا يفكر ولا يتضايق ولا يتعب نفسيا وبدنيًا.

إن الحمدلله من قبل ومن بعد، فوضعنا في عمان والحمدلله أفضل بكثير عن غيرنا، إلا أنه هناك من لا يستطيع أن يصل إليك ليعلمك أنه محتاج، أو وصل إليك ولكنك لم تقضِ حاجته، ولم تقف معه، فلا تذله وتضاعف من معاناته ومأساته، فالذي لا ترضاه لنفسك وعيالك لو كنت مكانه، لا ترضاه أبدا لغيرك، فالدنيا أيام ودول يدبرها ويديرها إله لا يغفل ولا ينام ويسمع ويرى ويمهل ولا يهمل.

كن كريما وبادر بالإرسال إليه والتواصل معه والتخفيف عنه ومساعدته. لا تمل من كثرة الطلب منك، فإن لله عبادا اختصهم لقضاء حوائج الناس، فحببهم في الخير وحبب الخير إليهم، وهم الآمنين من عذاب الله يوم القيامة.

تأكد أنه حينما تقف مع إنسان وتساعده حتى بصفة دائمة ومستمرة، فأنت تقدم لنفسك، ثم إن فعل الخير للناس شرف لك من الله تعالى، ينبغي أن تشعر بالفخر وبسعادة كبيرة وراحة كبيرة. إن المولى- عزوجل- اختارك وخصك واصطفاك وجعلك خير الناس، فخير الناس أنفعهم للناس.

افعل الخير في أهله وفي غير أهله، فإن لم يكن ذاك أهلٌ لفعل الخير فيه، فكن أنت أهلًا للخير وفعله، و"ازرع جميلا ولو في غير موضعه، ما ضاع فعل جميل أينما زرعا". فيا أخي، الدنيا تريد والآخرة تريد، وهذه الأيام الفرصة مواتية لتفرج ولتنفس ولتساعد ولتعطي ولتنفق، ولا تتضايق أو تتذمر وتقول: "أنا خلاص أعطيت، أو سبق أن أعطيت أو أنفقت" فالجود بالقليل، أفضل من عدم الجود بشكلٍ نهائي، كن دائما كالغيث أينما وقع نفع، ف"مَن يَفعَلِ الخَيرَ لا يَعدَم جَوازِيَهُ، ولا يَذهَبُ العُرفُ بَينَ اللَهِ وَالناسِ".

وقال الإمام الشافعي: "ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ﺑﻬﻢ، ﻭﺍﻟﻌﺴﺮ ﻭﺍﻟﻴﺴﺮ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﻭﺳﺎﻋﺎﺕُ، ﻭﺃﻛﺮﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺭﻯ ﺭﺟﻞٌ، ﺗﻘﻀﻰ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻩ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺣﺎﺟﺎﺕُ، ﻻ ﺗﻘﻄﻌﻦ ﻳﺪ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻋﻦ ﺃﺣد، ﻣﺎ ﺩﻣـﺖ ﺗـﻘﺪﺭ ﻭﺍﻷﻳﺎﻡ ﺗﺎﺭﺍﺕُ، ﻭﺍﺫﻛﺮ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺻﻨﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﺫ ﺟﻌﻠﺖ، ﺇﻟﻴﻚ ﻻ ﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺣﺎﺟﺎﺕُ، ﻗﺪ ﻣﺎﺕ ﻗﻮﻡ ﻭﻣﺎ ماتت ﻓﻀﺎﺋﻠﻬﻢ، ﻭﻋﺎﺵ ﻗﻮﻡ ﻭﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻣﻮﺍﺕُ".

تعليق عبر الفيس بوك