"الاقتصاد كما أشرحه لابنتي".. لمحة عامة

 

بدر الشعيلي

@bader-sk

يانيس فاروفاكيس أستاذ الاقتصاد ووزير المالية اليوناني سابقًا، هو المؤلف الشهير للكتاب الذي ذاع صيته "الاقتصاد كما أشرحه لابنتي"، وكانت له ابنة تعيش في أستراليا، وكان لقاؤهما قليلا جدا، ولهذا فإنهما في الساعات القليلة التي يلتقيان فيها، يقوم فاروفاكيس بتبادل الأحاديث مع ابنته التي تغيب عنه شهورا عدة.

وهذا الكتاب هو بقايا الأحاديث التي لم يكملها المؤلف مع ابنته، فقرر أن يرسل إليها هذا الكتاب كأحاديث ودية. وفي مقدمة الكتاب، يقول المؤلف إنه جلس قبالة البحر في جزيرة يونانية، وبدأ تأليف هذا الكتاب غير مستعين بالمراجع السياسية والاقتصادية التي كان يرجع إليها في تأليف كتبه، وقال إنه ترك الكتاب يكتب ذاته؛ أي إنه جعل كتابة هذا الكتاب انسيابية غير متكلفة، يستطيع القارئ من خلالها الاطلاع عليه دون ملل.

get_product_image.jpg
 

وضمت صفحات الكتاب رسائل بضمير المخاطب يوجهها الأب لابنته، فيتحدث مثلا عن اللامساواة في العالم بقوله: "لا تفرطي في القسوة عليهم. فمن السهولة بمكان إقناع أنفسنا بأن سنة الحياة- ولا سيما حين تحابي مصالحنا- منطقية وطبيعية وعادلة. لكن في الوقت عينه كوني قاسية على نزوعك إلى قبول أوجه اللامساواة التي تجدينها اليوم بوصفك مراهقة مدهشة". كما يتحدث في الكتاب عن ثقافة التسليع التي انتشرت في العالم ككل، ويحاول من خلال هذا الفصل شرح فكرة أن الكل في العالم خاضع لثقافة التسليع، حتى إنها تشمل الإنسان ذاته؛ فهو في العصور المادية اليوم سلعة- في نظر البعض- تُباع وتشترى.

ثم نجد الكاتب يشرح العناصر الأساسية لعملية الإنتاج بمفهومها العام وهي على ثلاثة أركان: الأول: المواد الخام، والثاني: الأرض، والثالث: قوة العمل. وبهذه الأركان الثلاثة نستطيع أن نقيس "الإنتاج".

وعند تصفح الكتاب سريعًا نجد أن المؤلف يخلط حسّه الأدبي بعمقه الاقتصادي؛ ففي الفصل الخامس الذي عنونه بـ"سوقان أوديبيان"؛ فالسوق لفظة تنتمي لعلم الاقتصاد، و"أوديب" لفظة تنتمي لمجال الأدب، وهذه اللفظة هي أيقونة مسرحية يونانية للشاعر والكاتب المسرحي اليوناني سوفوكليس، وقد استعار المؤلف بطل مسرحية سوفوكليس من هذه المسرحية ليجعلها واقعًا اقتصاديًا في السوق؛ لأن أوديب في هذه المسرحية سيصبح ملكًا ويقتل والده لايوس، وهنا يحاول المؤلف أن يشرح العلاقة بين المعنى الأدبي لهذه الأسطورة والمعنى الاقتصادي، فيقول: "ما علاقة هذه الأسطورة بسوقي قوة العمل والمال؟ علاقة وثيقة؛ لأنها تبين كيف يمكن أن تكون النبوءات رهيبة في تحققها الذات".

وتطرق المؤلف في الكتاب لقضايا عديدة في المجال الاقتصادي تفيدنا نحن غير المتخصصين في المجال الاقتصادي، ونطلع من خلالها على العديد من المفاهيم الاقتصادية من وجهة نظر خبير في هذا المجال.

أدبية مثل هذه الكتب تجعلنا- كقرّاء- مندمجين مع المفاهيم الواقعية التي نعيشها في عالمنا الحالي، وسهولة اللغة التي ينطق بها المؤلف جعلتنا أكثر تقبلًا وحبًا لمواصلة الكتاب من أوله إلى آخره.

الكتاب بحجم القضايا التي استوعبها خلال صفحاته التي امتدت لـ200 صفحة من الحجم المتوسط، يعد إنجازا كبيرا؛ لأن هذه القضايا تحتاج لعدد صفحات أكبر من هذه، ولكن عمق خبرات المؤلف، وملكته الكتابية، جعلته يغطي هذه الموضوعات بأسلوب سهل وأدبي في الآن معًا.

قف- أيها القارئ- على عتبة هذا الكتاب واقرأه؛ لأننا محتاجون لمثل هذا الوعي الاقتصادي من متخصص مثل فاروفاكيس.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك