كيف تصنع مشكلة؟!

 

فاطمة الحارثية

 

قال أحدهم " لكي تعرف سبب المشكلة أو الأزمة أو حتى مسبب الفوضى، ابحث عن المستفيد منها!"، وأقول ربما لو عرفت الصانع قد تُحل المشكلة أو قد تتعلم درسا في الوقاية..

 

أنا والآخر جزء من منظومة الحياة، ونحن لا نعيش في عزلة، ولكن قد نلجأ إليها في وقت ما من حياتنا، بعد أن نعجز عن التأقلم والتعايش مع الآخر أو الآخرين، وبعد أن نفقد القيمة الحقيقة ونصاب بالحيرة وضياع التوازن لمعان الوجود وأسباب البقاء؛ الاختلاف هو لنكمل بعضنا البعض، سواء كان اختلافا في الرؤى أو الرأي أو النهج أو الفكر أو حتى القدرات وسرعة احتواء المسائل فهما وتحليلا وتصويبا؛ والبيئة ليست إلا موقع لتلك الأنفس والظروف مصنع لها، إذا لماذا هناك الكثير من المشاكل والأزمات والفوضى من حولنا، حتى وصل بنا الأمر إدراج تلك الفوضى والمشاكل تحت بند الطبيعي! والأكثر دهشة اعتبارها جزءًا من نظام الحياة.

 

إن أردت أن تصنع مشكلة، لن أبحر في مسائل "لماذا قد تفعل ذلك؟" لأن الأسباب تختلف باختلاف مفاهيم التكوين، أو الظروف التي يُريد الفرد أن يصنعها أو يغيرها من حوله، وعموم الهدف يصب في مفهوم البحث عن راحة البال، والذي يختلف الناس في تعريفه اختلافا كبيرا.  قال لي أحد جهابذة العلاقات والفكر ممن أتاه الله علما عندما سألته عن كيف تصنع المشاكل؟ قال: لن نخوض في العمليات الظاهرة فتلك أمرها يسير، وظاهرة للعيان، ويستطيع الراغب اجتنابها والبعد عنها، لكنني سوف أظهر لكِ طرقا فريدة اختبرتها في مجال عملي الواسع، ومنها إتقان تصنع المودة، لأهداف غير سوية، ونيل الثقة من أجل الإيقاع بين الناس وتدمير العلاقات الطيبة، فيتقرب منك أحدهم بتودد وكياسة، لينال ثقتك ويصنع منها مخالب تنهش علاقاتك مع الآخرين، وتؤذي سلامتك سواء الاجتماعية أو العملية أو حتى النفسية؛ أولئك الناس يخاطبون العقل الباطن برسائل خفية، ظاهرها الخير وباطنها المكر والخداع والتأثير السلبي، مما يؤجج النفوس، ويصنع المشكلات المزدوجة، دون أن تشعر أن ذلك النفور والكره وسواس غُرس فيك.

 

إن الدفاعيات التي نُشكلها في مجابهة العثرات والفوضى، تأتي من خبراتنا وما تلقيناه في صغرنا، ونمط البيئة المحيطة، وأيضا حسب درجة الصحة النفسية التي نمتلكها وقوة الإيمان وثبات القيم والمبادئ والمعتقد، ومن تلك الطرق البحث عن المشورة، أو اللجوء إلى المقارنة الصحيحة والصحية بين الواقع والمفترض أن يكون صحيحا، وأيضا البحث السليم عبر الأدلة والبراهين، وهذا بعضا مما قد يشكل درعا للمقاومة والدفاع أمام صُنّاع العقد والمشاكل الإنسانية أو حتى الوقاية؛ إن ما يثبت قدرتنا على العيش بسلام وإنسانية وإدارة السلوك وردود الفعل، هو ما كنا عليه صغارا عندما لم نحمل الضغينة على أحد، حتى عندما نلنا ضربا من أقراننا وغيرهم، لم نتفاعل أو نحقد إلا عندما أمرنا أبوانا وأهلنا أن نضرب من ضربنا، وأن نلبس أحسن من الجيران أو أبناء فلان، وأن نتفوق أكثر من تفوق ابن أحدهم أو ابن فلان، شعرنا بالنفور عندما بدأت فلانة بقول: "إن هذه الطفلة أجمل من ابنتك"، والنقص عندما قال أحدهم ابن فلان أطول من ابنك، وأنف هذا جميل وذاك غير ذلك. اغتالوا براءتنا دون أن نشعر بذلك، نقلوا إلينا حماقات مدمرة أورثناها لمن بعدنا، دون أن ننتبه أننا نصنع المشكلة ونخلق العقد ونبتكر الفوضى؛ بدون أن نشعر صنعنا حياة بائسة لأنفسنا، من هنا يأتي عذر إبليس أنه دعانا ولم يرغمنا على الكفر والشر وصناعة الجريمة، تلك الصغائر كانت تكفي أن تدمر الإنسانية والإنسان.

سألتني ابنتي الصغرى لماذا يقول الناس: "إن الضعيفة هي الجميلة ما عيب المليانه؟" ضحكت لسؤالها وقلت لها، هل تعلمين أنه منذ أقل من خمسين عاما كانت "المليانة" هي مقياس الصحة والجمال في العالم؟! ومازالت كذلك لدى الكثير من الناس، غير أن الإعلام أعمى الحقائق وفرض علينا فكرا أحمق، واستعبدتنا المعايير، وليس مهما الحجم أو الشكل بل الصحة هي الأهم في كل هذه الفوضى، فتوجهت إلى أختها وهي تردد لها ما قلته بصوت عال...   

 

سمو...

اعتزل المشاكل لكن لا تعتزل الناس، واحكم على الأمور بنفس طفل وعقل راشد، فيوما ما كنت تحاول وأنت صغير مساعدة الغير، وكان شغفك أن تساعد الناس عندما تكبر، كنت تحلم بمهنة طبيب أو مهندس أو غيره من أجل الخير، فما الذي تغير فيك اليوم؟ المادة مادة لا تحمل أية مشاعر والناس كيان ينبض ويضحك ويبكي.