قانون العمل الجديد.. وتشريعات الرفاهية

 

خالد الندابي

ما زالت القوانين الوضعية تخضع للتغيير بعد صدورها زيادةً ونقصانًا؛ وذلك إما لتبيُّن خلل فيها يَظهَر بعد حين، أو لتغيُّر الظروف المرتبطة بها.. ويأتي مثل هذا التغيير ليقرِّب هذه القوانين إلى العدل والإنصاف والصواب، ولا يكون من تغيير إلا لسبب يستدعيه، وإلا فإنه لا ضَيْر في قانون يدوم ويظل على حاله.

وإسقاطًا لذلك على ما يُتداول بشأن قانون العمل الجديد، فإنَّنا لا نعي هذا التوجه لإلغاء القانون الحالي واستبداله بقانون آخر عِوَضًا عن الاكتفاء بتعديله؛ فقانون العمل الحالي واضحٌ في مجمل موادّه، ولا نرى ما يدعو إلى إلغائه واستبداله بالكلية. مع التأكيد على أنَّ هناك بالفعلِ موادَ يجب أن تخضع للتعديل، لا سيما تلك التي أفتت بشأنها المحكمة العليا بعد أن اختلفت في شأنها أحكام محاكم الموضوع. وعلى كل حال، فإنَّ هذا المقال يتحدَّث عن نقطة محددة وهي المتعلقة بإنهاء عقد العمل، والتي أشار إليها ضِمنًا رئيس الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان، حين ذكر أن موادَ في قانون العمل الجديد لو أُجيزت لأصبح تسريح العمال يوميًّا، والتي جاء القرار الوزاري الصادر عن وزارة العمل تحت رقم 97/2022 ناصًّا عليها وقاطعًا بشأنها، وإن كان قد حصرها في وحدات الجهاز الإداري للدولة.

ومُقتضى المادة أنْ يكون عقد العمل مُؤقتًا ولمدة محددة (عامين هو الرقم الشائع)، ويحقُّ للطرفين إنهاؤه دون إبداء الأسباب. وقد علَّل القائلون بهذا الطرح بأنَّ الدافع الرئيس لهذا الأمر هو زيادة إنتاجية العامل، وأن هذه المادة ستعطي الحق لصاحب العمل بإنهاء خدمات العامل غير المنتج. وهو طرحٌ أسهل ما يرد عليه بالمادة نفسها -قياسًا على القرار المذكور- والتي لم تشترط أصلًا إنهاء العقد بضَعْف الأداء بأي شكل من الأشكال؛ بل أعطت الحق لصاحب العمل في إنهاء العقد -حتى قبل انتهاء مدته- وبشكل مُطلق. بل إنَّها في القرار المذكور مثلًا نصَّت على أن صاحب العمل غير مُلزم حتى بذكر أسباب الإنهاء. هذا بالإضافة إلى أن القرار المذكور شرع أصلًا طريقة لمعاقبة العامل صاحب الأداء الضعيف (البند 5) مما يعني أن المادة غير مرتبطة بالأداء. مع العلم أن شركات القطاع الخاص-كلها أو جلّها- تمتلك معايير محددة لتقييم أداء العامل سنويًّا، تتراوح فيها المعدلات بين الممتاز والجيد جدًا والجيد والضعيف. ثم بناءً على هذا الأداء يقرر صاحب العمل ما يستحقه العامل من زيادة مالية سنوية بين الكثرة والقلة والعدم.

وقانون العمل الحالي لا يحرم صاحب العمل من إنهاء خدمات العامل إن كان لذلك ما يبرره من الأسباب. وقد سردتْ المادة (40) منه أمثلةً لهذه الأسباب؛ تضمنت: إخلال العامل إخلالًا جسيمًا بالتزامه بأداء عمله. كما أنَّ القرارات الوزارية الصادرة في هذا الشأن أكدت حق صاحب العمل في معاقبة مثل هذا العامل؛ فالقرار الوزاري رقم 129/2005 على سبيل المثال، أعطى الحق لصاحب العمل في أن يضع لائحة جزاءات خاصة به، يتم بناءً عليها معاقبة العامل المخل أو ضعيف الإنتاج.

والعدل في هذا الشأن هو ما أفتت به المحكمة العليا في غير موضع، من وجوب وجود أسباب حقيقية تبرر إنهاء العقد. أما أن يكون إنهاء العقد حقًا مطلقًا دون حتى إبداء الأسباب، فإن ذلك مدعاة للظلم والتعسف، لا سيما مع ما نشاهده واقعًا من كثرة الدعاوى العمالية التي تعكس انعدام المهنيّة وتغليب الدوافع الشخصية البحتة.

ولن نُحاور في هذا المقال من اللا مكان لمفهوم العدل في حساباته، كما أننا لن نسترسل فيما يترتب على مثل هذا القانون من تبعات اجتماعية وإنسانية على العامل ومن يعول؛ لأنها لا تخفى على مُنصِف، ولكن نقول إنَّ هذه التبعات وإن بدت فرديةً في أولها، فإنها لن تلبث حتى تكون أكبر من ذلك بكثير، لاسيما مع الأعداد المتزايدة للباحثين عن عمل. ومن ظن أنه في مأمنٍ من مثل هذه النصوص، فليتربص، فإنه لن يلبث أن يكتوي بنارها في نفسه أو أهله.

ومثل هذا القانون لن يصُب حتى في صالح الإنتاجية المزعومة؛ فلماذا سيستهلك العامل جهده في وظيفة يعلم أنه قد يفقدها "دون سبب" ودون تقصيرٍ منه أو إخلال؟ ولماذا يستهلك العامل جهده وهو يعلم أنه مُهددٌ بإنهاء عقده في غضون أشهر، لاسيما وأن إنهاء العقد غير مرتبطٍ بالأداء كما ذكرنا؟

إضافةً إلى ذلك، فإن نصًّا قانونيًّا كهذا، سيُعطّل بالضرورة حقوق العمال، حتى تلك التي قد ينص عليها القانون نفسه. ذلك أن مجرد مطالبة العامل بتلك الحقوق سيجعله عُرضةً للفصل من العمل. ونحن نرى الدعاوى العمالية العديدة والتي تؤكد أحكامها حرمان أصحاب العمل للعمال من حقوقهم القانونية كالإجازات والعلاوات...وغيرها، فكيف سيتأتَّى مع وجود نصوص تعطي الحق لصاحب العمل بإنهاء العقد دون أسباب، كيف سيتأتَّى للعامل حينئذٍ المطالبة بمثل هذه الحقوق؟

إن هذا النص في الحقيقة يلغي تلقائيًّا حقوق العامل، ويجعل صاحب العمل غير مُلزَم بها واقعًا، وإن أُلزمَ بها نظريًّا.

وفي واقع الأمر، فإنه لا فائدة اقتصادية (حقيقية) يجنيها صاحب العمل من القدرة على فصل العامل دون سبب، ولكنها صورةٌ من تشريعات "الرفاهية" التي تجعل صاحب السلطة قادرًا على الاستمتاع بسلطته، تمامًا كما نادى فرعون يومًا أنه الرب الأعلى. فما كان ذلك ليزيد من ملكه لمصر ولا من الأنهار التي تجري من تحته، ولكنه كان سيزيد من تلذذه بسلطانه ونفوذه، ولا شيء غير ذلك.

وقصرًا على ما قِيل، فإنا نأمل أن يكون المُتداولُ عن هذه النصوص مجرد شائعات، ونرجو -على كل حال- ألا تشرّعَ مثل هذه النصوص في قانون العمل الجديد لا صراحةً ولا ضمنا، فإنه حتى لو فرضنا فائدتها جدلًا، فإن مساوئها أكبر من الجدل وأجلى.

تعليق عبر الفيس بوك