كيف نحول التحديات إلى فرص للتضامن؟ (2)

 

 

د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري

 

هذا هو الجزء الثاني من مداخلتي بالندوة الحوارية التي نظمها المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية بمراكش يوم 8 يونيو 2022، تحت عنوان "العالم العربي أمام التحديات العالمية الجديدة"، وشارك فيها نخبة من الباحثين والمفكرين العرب.

للتذكير بما سبق تكلمت في الجزء الأول عن التحدي الداخلي المتمثل في عجزنا المزمن عن "بناء المواطن وتنميته"، ونستكمل فِي هذا الجزء الحديث عن "التحدي الخارجي"، والمتمثل في أيدلوجية ولاية الفقيه التي غزت الأرض العربية واستباحت حدودها وسيادتها الوطنية ونجحت بنفوذها وهيمنتها وأموالها وميليشياتها أن تمارس في عمق البيت العربي تخريباً وتقويضاً لمقومات للدولة الوطنية وإفساداً للمواطنة وتفرقة بين المكونات المجتمعية وإضعافاً للجيوش الوطنية بحيث أصبحت تلك الدول العربية المنكوبة بهيمنة أيدلوجية ولاية الفقيه لاتملك قرارها ولا إرادتها المرهونة بإملاءات الولي الفقيه.

إن غزو أيدلوجية ونظام ولاية الفقيه للبيت العربي يختلف عن كافة أشكال الغزو التي واجهها العالم العربي، إنه غزو مختلف يشكل تحدياً مختلفًا، إنه غزو موجه من الخارج العربي لكن جنودُه أبناؤنا في الداخل، أشبه بمرض سرطاني فتاك يصعب معالجته والفكاك منه إلا بمعالجات غير تقليدية. تصور أن أحد الأعزاء لديك أصيب بهذا المرض الخبيث ماذا تفعل؟! وكيف تواجهه؟! وكيف تعالجه؟!

هذا هو الحاصل اليوم في عمق البيت العربي الذي غزاه هذه الأيدلوجية المدمرة. قطاع عريض من المواطنين في أربع دول عربية مركزية اعتنقوا فكرا وأيدلوجية ولاية الفقيه، فأصبحوا جنودا لها، يعملون في خدمتها، يمكنون لها، يسعون لمصالحها لا لمصالح أوطانهم، يعلنون جهارا نهارا. ولاؤهم لها لا لأوطانهم، يأتمرون بأوامرها، ينفذون سياستها، يضحون من أجلها بأنفسهم وأموالهم وأبنائهم حتى لو تعارضت هذه التضحيات  مع مصالح أوطانهم! حتى لوخربت ودمرت ومات الآلاف من أبناء مجتمعاتهم ودولهم وأوطانهم،أهم ما يشغلهم رضا الولي الفقيه عنهم ! مثلهم مثل من قال فيه شاعر العربية الأكبر:

إذا صح منك الود فالكل هين // وكل ما فوق التراب تراب

أذكر أني تشرفت بالمشاركة في ندوة حوارية حول "التضامن العربي وأدارة الأزمات: رؤية مستقبلية" نظمها منتدى (الفكر العربي- عمّان 2017) شخص فيها الأمير المثقف الحسن بن طلال رئيس المنتدى، بكلمة مستفيضة مختلف أبعاد الأزمات العربية، وماكانت تمر به المنطقة من عوامل التصدع وانعكاساتها على إمكانات النهوض العربي .

وأكد سموه أهمية إطلاق الحرية للعقل وابتكار أنماط للتفكير والسلوك لتحقيق حركة فكرية تنهض بالأمة، تستند إلى منهج "الحوار الموضوعي" بين مكونات المجتمع الواحد وبقية المجتمعات العربية، تركز على الروابط الأخوية المشتركة، وتحاصر الخلافات العربية بالطرق السلمية. طبقاً لأمير الشعراء:

وما نيل المطالب بالتمني // ولكن تؤخذ الدنيا غلابًا

وما استعصى على قوم منال // إذا الإقدام كان لهم ركابًا

أتت أهمية كلمة الأمير الحسن من كون ضعف التضامن العربي ترك فراغا استرتيجيا وأمنيا استغلته قوى إقليمية ودولية للتدخل في عمق البيت العربي لتلعب دورا تخريبيا، يقوض مقوماته ويضعف جيشه الوطني .

علينا أن نعترف بأننا مسؤولون عما نشكو منه، وهذه القوى المتكالبة ما تجرأت وطمعت وعبثت بالأمن القومي العربي لولا ضعف "المناعة الداخلية" للبيت العربي، وقابليته للغزو والاختراق.

نلوم شياطين الأرض والعيب فينا، في تفرقنا، في فساد ذات بيننا، في انتشار المظالم بيننا، في غياب العدل والمساواة وتكافؤ الفرص في مجتمعاتنا، في انتشار النزعات العصبوية والعرقية: القبلية والطائفية والمذهبية في تركيبتنا المجتمعية، في التمايزات التي نصطنعها بين المكونات المجتمعية، في التفرقة التي نمارسها بين أبناء المجتمع الواحد، في التنابز بالألقاب  وشجرة الأنساب والأصول والأعراق، نتفاخربها ويستعلي بها بَعضُنَا على بعض طمعا واستئثارا بالمغنم، وإقصاءً للآخر مع أن الخير كثير يسع الجميع ويفيض  !

ما الحل؟ وما العمل؟

أعطانا المولى الحل في محكم كتابه منذ 14 قرنًا "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلامرد له".

كيف نغير أنفسنا ومجتمعاتنا؟ وكيف نتقي السوء؟  بكلمتين لا غير: الأولى والأهم: القيادة السياسية الحازمة. والأخرى المهمة: الإدارة الكفؤة للطاقات الوطنية.

** كاتب قطري