القتلةُ الذين يعيشون بيننا!

 

معاوية الرواحي

 

يُصدمُ الإنسانُ اليوتيوبي، ذلك المشغول بمعايير الكمال، والمثالية عندما يعلمُ أن قتلةً وإرهابيين يعيشونُ حياةً عاديةً في مجتمعٍ طبيعي.. إزهاقُ النفس البشرية نهايةٌ لإزهاقٍ نفسٍ أخرى، نفس القاتل التي استمرأت لغةَ الموت، فلم يعد يعبأ من الذي يموت على يديه.

وتشيعُ في هذه الحياة صورٌ مختلفةٌ لأشكال القتلِ والدمار، منها ذلك الذي يقوده الغضب المؤقت، وفقدان الأعصاب، وحتى هذه لا تأتي بلا مقدمات، إنها نفسٌ تركت حتى تراكمَ عماها عن الواقع، وتأزمت رؤيتها للحياة، وفقدت الأمل، والحب، وتحولت إلى قنبلة موقوتة ستنفجر لا محالة إن وضعت في الظروف المناسب، وعاشت الحصار الذي يعيشه القاتل، الراغب في القتل من أجل القتل.

شكلٌ آخر من أشكال الإرهاب، والذي نعم قد يكون لأسبابٍ دينية، مثل متطرفٍ ساخطٍ يعيش وسط التجمع البشري، ولا يعلمُ الناس ما يجول في عالمه الداخلي من غضب وشر، وخطط، وخيالات، وأحلام يقظة، وربما متابعةٍ سريةٍ للمواد التي تحرض على العنف والتطرف، قد يكونُ هذا إنسانًا في ظاهرِه مدافعًا عن الدين، وينسى بعض التفاصيل الرئيسية، مثلاً أن إقامة الحدود ليست شأنا فردياً، سينقل لك الكثير من التبرير والذي سيلف ويدور حتى تصلَ إلى اضطرابِه البيِّن، إنه مشروع قاتل، لا علاقة له بدين ولا بغيره، إن لم يقتل باسم الدين سيقتل غدًا فقط لأنَّ أحدًا استفزَه زيادة عن اللازم.. زناد مسدس، وحادث سيارة بسيط، ولحظة خاطئة، ويصبح الإنسان قاتلا، هذا ليس حدثًا بادئًا، هذه نهاية متوقعة لكل هؤلاء الذين اتخذوا من الموت والقتل والدمار لغةً للتعامل مع الحياة، قضيةٌ أخرى من القضايا "الحيَّة" التي أساس التعامل معها هو الموت، أو إقامة الحدود باستسهال بالغٍ، فقط لأنَّ شخصية مضطربة رفضت أن تعترف بمشاكلها.

حوادث القتل التي كثرت مؤخرًا في العالم، من قبلِ رجالٍ قتلوا فتياتٍ بريئات، إرهابٌ فرديٌّ فيه لغة الموت هي التي تتعامل مع الأحياء، لا تختلف في قبحها وفي عنفها وفي شراستها عن الحوادث الشبيهة، لتلك المرأة التي أحرقت خيمة كاملة في عقد قران زوجها من زوجتها الثانية، ولا تختلف عن القتلة الغامضون الذين يرمون ببندقية قناص أناسًا أبرياء ويختفون، تتفاقم حالة الإنسان القاتل بعد أن يجرب طعم الدماء، ولكن إلى أن يجربه فهو يعيشُ في دائرةٍ داخليةٍ مليئة بالغضب، وقد يبدو غير مفهومٍ للآخرين، حتى تفوح منه كلمة واحدة تدلُّ على أنَّه قادر على القتل؛ بل وقادر على الإقدام عليه، اعتادَ عصرُنا الحاضر على وضع القتل الفردي ليكون دائما لأسباب دينية، ولكن لا يوجد منطق يُخرج ذلك ليجعله في يد التدين فقط، هُناك قتلٌ لأسباب وظيفية، عندما يمسك موظف غاضبٌ رشاشَه فيفتك بشركةٍ سابقة كان يعمل بها، وهُناك قتلٌ نتيجة الجهل وتراكم الاضطراب، كأن يؤمن شابٌ أرعن مهووسٌ بالانتحار بأنَّ إقامة الحدود الشرعية أصبح بيديه، وبالتالي فهو المفتي، والجلاد، والمنفذ، والهيئة القضائية، وهو الاستئناف وهو كل شيء، مضطربٌ يظنُّ أن نصا واحدا يكفي لكي يذهب إلى أقصى أقاصي الجريمة، القتل بدمٍ بارد أو فائر، لا فرق فالضحية ستموت بغض النظر عن تبرير قاتلها.

مشاريع القتلة هؤلاء يعيشون بيننا؛ بعضهم يرى في لغة الحدود القانونية والدينية تبريرًا لكي يقوم بذلك بيده، والبعض الآخر لأزمة عاطفية، وآخر لأزمة نفسية، وأخرى وثالث، وثالثة، ورابع ورابعة لصدفة في غير موضعها. هذه الإنسانية ليست نزهة في المحبة والسلام، العنف جزء من تكوين العنصر البشري في كوكب الأرض، وشئت أم لم تشأ، هؤلاء القتلة يعيشون في كل مكان، بين الناس، لا يفصلهم عن الحدث الأوَّل الذي يقتلون فيه سوى موقف واحد! وبعدها، يتذكر البشرُ حقيقة هذا الكائن البشري، الغامض، والمليء بالشر، والخير، والحب والكراهية في وقت واحد.