جودة التعليم في الاستثمار البشري

 

 

سالم البادي (أبو معن)

 

كما هو معلوم لدى الجميع بأن نهضة الأمم لا تقوم إلا على أركان وعناصر أساسية وأولها العنصر البشري؛ فالتنمية البشرية بحاجة الى صقل الكوادر البشرية بالعلوم والمعرفة وتدريبها وتهيئتها التهيئة السليمة الناجعة من خلال بنية تحتية قوية حتى تصبح جاهزة للانخراط في ميادين العمل، وهذا ما يسمى بـ"الكفاءات البشرية".

والاستثمار في التنمية البشرية يساعد على إعداد كفاءات وطنية قادرة على بناء أوطانها وصنع حاضرها ومستقبلها، وبالتالي تصنع فارقا كبيرا في الاعتماد على الموارد البشرية الخارجية. وهنا يأتي دور تمكين الكفاءات الوطنية العمانية وخاصة "الكفاءات الشبابية" لتصبح من الأولويات التي يجب أن توليها حكومتنا الرشيدة بقيادة عاهل البلاد المعظم؛ حيث تعد بمثابة أهداف رئيسية في نهج الحكومة الرشيدة باعتبار أن العامل البشري هو المحرّك الرئيسي للتنمية الشاملة المستدامة، وأهمية الاستثمار في هذا العنصر البشري بلا شك يأتي بنتائج إيجابية تنعكس تداعياته في زيادة النمو الاقتصادي للسلطنة ورفع مستوى المعيشة لدى الفرد.

وهنا لا بُد من التأكيد على ضرورة توفير وإيجاد خطط تنمويه استراتيجية صحيحة بأعلى المقاييس، وتسخير كافة الإمكانيات المتاحة لتأهيل العناصر والطاقات البشرية الوطنية وتدعيمها وإسنادها بكافة علوم الابتكار والتنوع المعرفي والتقني بما يتماشى مع الاستراتيجيات الوطنية المرسومة والرؤى المستقبلية للسلطنة؛ بحيث تصبح تلك الكفاءات الوطنية جاهزة لبناء الوطن وتساهم في بناء اقتصاد قوي وراسخ وقادر على تحمل الأزمات، وإعداد هذه الكفاءات الوطنية إعدادا صحيحا مستندا على العلم والمعرفة والخبرات العالمية ليصبح مهيأ وجاهزا للإحلال مكان الموارد البشرية الوافدة.

إن تحقيق هذه الغايات والتطلعات والأهداف المرجوة لن تكتمل بدون وجود شراكة حقيقية وتعاون وتنسيق ما بين القطاعات الحيوية والنوعية وجميع الجهات والمؤسسات المعنية، ولا بُد أن يكون القطاع الخاص شريكا أساسيا في التنمية المستدامة وأن يسخر كافة إمكانياته لدعم جهود الحكومة في تدعيم الاقتصاد الوطني وذلك بالارتقاء بالكفاءات البشرية الوطنية العمانية.

إن صناعة مستقبل أفضل لن تتحقق إلا بتعزيز جهود الحكومة بالاهتمام بالكفاءات الوطنية العمانية لضمان مستقبل مستدام وتنمية مستدامة؛ فالعمل على إيجاد الحلول الفعلية للوظائف يعزز من تضييق الفجوة بين الحكومة والقطاع الخاص، وبالتالي يعزز من إيجاد فرص العمل لدى الشباب، وتوفير فرص العمل للباحثين عن عمل يعزز من المشاركة الاقتصادية الفعّالة للعمانيين.

كذلك التأكيد بأن التركيز على نوعية وجودة التعليم المعرفي والتقني مع استمرار التطوير والتدريب ومواكبة التطورات والمتغيرات على الساحتين الإقليمية والدولية ستكون مخرجاتها الوطنية ذات جودة وكفاءة عالية.

إن توفير منظومة تعليمية ذات بعد استراتيحي ينتج لدينا كفاءات وطنية مدى الحياة، ويصبح لدينا مصانع للكفاءات البشرية الوطنية وتعزز من قدرات وإمكانيات السلطنة في المراحل التنموية المستقبلية، وتجعل السلطنة في مصاف الدول المتقدمة ولديها اكتفاء ذاتي من الموارد البشرية الوطنية.

إن رسم السياسات والتوجهات الداعمة إلى إنشاء وتطوير "قاعدة بيانات وطنية" تضم كلًا من وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ووزارة العمل تدعم عملية التخطيط الاستراتيجي في توظيف جودة مخرجات التعليم في السلطنة، وذلك من خلال التنسيق المستمر في الجهات والمؤسسات المعنية ومتابعة تطوير جودة المخرجات التعليمية بجميع قطاعاته ومراحله مع التركيز على متطلبات واحتياجات سوق العمل، مع متابعة واعداد رؤى استراتيجية مستمرة لكل مرحله من مراحل التنمية المستدامة للمواءمة بين مخرجات مؤسسات التعليم العام والعالي والأكاديمي والمهني ومع احتياجات سوق العمل.

وفي هذا الشأن لا بُد من الحكومة أن تعيد النظر في سياساتها الاستراتيجية حول التنسيق والتعاون مع مؤسسات القطاع الخاص بما يلزم رفع نسبة التعمين والمراعاة في عمليتي العرض والطلب في الوظائف القيادية بحيث تستوعب عددا أكبر من المواطنين، والتأكيد على أهمية وضع السياسات الداعمة لعملية "الإحلال".

وتمكين الكفاءات العمانية في القطاع الخاص، خاصة في إتاحة الفرصة للعمانيين للعمل في الإدارات الوسطى والعليا بمؤوسسات القطاع الخاص بكافة أشكاله يحقق ذلك استراتيجية رؤية "عُمان 2040" خلال توصيات مختبر سوق العمل والتشغيل بالبرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي “تنفيذ” الذي يعمل على إعداد كفاءات وطنية قادرة على تقلد مناصب قيادية.

وهذه المنظومه الوطنية لن ترى النجاح والاستمرار والاستقرار إلا من خلال تكاتف وترابط وتعاون وتنسيق جميع القطاعات والجهات المعنيه بتنمية وتطوير الكوادر البشرية الوطنية سواء من القطاع الحكومي أو القطاع الخاص أو أرباب الأعمال.

إن الثروة الحقيقية للأوطان هي الإنسان؛ لأنه هو بانيها ومفجر طاقاتها، والاهتمام به يعد أهمية عظمى في بناء الأوطان، وإن أي دولة في العالم فيها قوة بشرية متسلحة بالعلم والمعرفة فهي قادرة على قيادتها والحفاظ على مكتسباتها وصناعة مجدها وحاضرين ومستقبلها.

والنظام الأساسي للدولة كفل حق أي مواطن عماني بأن ينال شرف خدمة بلاده في كل ميدان من ميادين العمل وفي كل شبر من أراضيه، لكي ينعم بمستوى معيشة كريمة وينعم بالأمن والأمان والاستقرار، ويعد تسخير الدولة كل إمكانياتها ومقدراتها في خدمة شعبها الوفي الكريم هي من أولوياتها الاستراتيجية العليا ورسالتها الأسمى من خلال توفير فرص العيش الرغيد للمواطن.