قرية بعيدة وحيوانات تكاد تموت عطشًا

 

 

سالم بن نجيم البادي

 

هذا العنوان ليس لقصة قصيرة ولا رواية من وحي الخيال؛ بل هي حكاية واقعية

تحدث الآن هنال بعيدا في عمق الجبال الجرداء التي تئنّ تحت وطأة العطش في مواسم شح المطر والحرارة التي لا تطاق والرياح الساخنة والشمس الحارقة في قرية تدعى هليب في ولاية ينقل ويسردها ضحي المسكين بنفسه، وهو المسكون كما تعلمون بهموم وقضايا الناس المساكين و"الغلابى".

يقول ضحي قرية هليب التي شهدت هجرات سكانية متتالية في السابق إلى مدينة العين في دولة الإمارات ثم البريمي ومسقط؛ لأن القرية بيئة طاردة، لكن بقيت فيها أسر لم تهاجر خاصة كبار السن، والآن أصبح عدد الأسر فيها أكثر من 35 أسرة.

لكن ما قصة الحيوانات التي تكاد تموت عطشًا؛ بل إن بعض صغار الحيوانات نفقت فعلًا، حدث ذلك عندما تجرأ أحد سكان القرية -وليته لم يفعل- بمدّ هوز (أنبوب) من البئر الارتوازية إلى حوض صغير لسقي غنمه، وذلك بحسن نية واعتقادًا منه أن من حقه أن يروي غنمه من البئر الذي يقع قريبًا جدًا جدًا من منزله، ولقد سئم من شراء الماء لسقي حيواناته مع موجة الغلاء في كل شيء. لكن غضب الشركة المشغلة للبئر كان عارمًا فعمدت، وقبل أن تسأل عن الذي مدّ الأنبوب الصغير دون أن يعتمد على آلة لضخ الماء لقرب البئر من بيته، فقطعت الشركة الماء فورًا عن الحيوانات وعن براد الماء وعن المصلى دون سابق إنذار.

خلق كثير من خلق لله يشربون من البئر الجمال والأغنام والجعد والحمير والغزلان والثعالب والذئاب والهوام والدواب، وهذا تصرف غير لائق من الشركة وعقاب جماعي، في حين أنه من المفتر أن التصرف الصحيح يتمثل في التفاهم مع من مدّ الانبوب أولًا، وإن رفض التراجع عن ما قام به، يمكن تحويل القضية إلى المحاكم.

وكان الأجدر بها احترام سكان هذه المنطقة البعيدة، والذين بذلوا جهودا جبارة استمرت سنوات طويلة وهم يطالبون بهذا البئر، وما تركوا وزيرًا ولا شيخًا ولا مسؤولًا إلا وطرقوا أبوابهم، يريدون مصدر ماء لهم ولأنعامهم.

كان ذلك منذ أكثر من 20 سنة، والآن وبعد كل تلك المعاناة تحرم حيواناتهم من شربة ماء.

إن من قام بقطع الماء عن هذه الحيوانات لا يدرك المكانة الغالية لهذه الحيوانات عند أصحاب هذه القرية وهي تعدل الروح والولد، وهم ينفقون عليها أموالا طائلة خاصة في ظل غلاء أسعار الأعلاف وندرتها، وعدم اهتمام الجهات المختصة بدعم الأعلاف ومراقبة الاسعار، وترك ملاك المواشي يعانون دون سند أو عون، ولا يقتصر الأمر على الحيوانات بل إن الظلم طال السكان في هذه القرية؛ حيث إن ما يصلهم من الماء لا يكفي، ويوزع عليهم بطريقة بدائية حين يقوم الموزع بملء خزان الناقلة وهي واقفة عند البئر، ثم يقوم بضخ حصة كل بيت من الماء عبر أنبوب لا يُعرف مدى نظافته وصلاحيته لنقل الماء الذي يستخدم للشرب والطهي.

وتوجد قرى في ولاية ينقل يصل إليها الماء عبر الأنابيب والتي تمكن الناس من أخذ ما يكفي من الماء دون منّة من أحد.

لماذا هذه التفرقة في المعاملة بين قرية وأخرى في الولاية الواحدة؟

إن الناس في هذه القرية يعتقدون أنهم الأحق بماء هذا البئر من غيرهم، وهم يطالبون بمنحهم ما يكفيهم وحيواناتهم من الماء ثم للشركة حرية التصرف بما يزيد.

ويقال -إن صح القول- إن هذه الشركة تابعة لجهاز الاستثمار العماني، وإذا كان الأمر حقا كذلك فإن كرامة المواطن أهم من العائدات المالية.

فلا تكون "الرهوة على المربوطة دومًا". وآخر القول: حسبنا الله ونعم الوكيل..