لكل مرحلة رجال

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

حينما كانت عمان في القرون الماضية -من ظفار إلى مسندم ومن مصيرة ورأس الحد جنوبًا، إلى محضة والبريمي شمالًا- تمر بمرحلة زهيدة في التشكل المجتمعي، ولملمة نسيجه وتوحيد أصقاعه، واحتواء كل ناحية منه في تكتل مجتمعي واحد، يجتمعون فيه وعليه على كلمة سواء، ويستقيمون على محيطه واتساعه في صفوف متراصة؛ كل صف يعضد الآخر ويشد من أزره. كانت عمان آنذاك بأراضيها البكر ومساحاتها الشاسعة، وعبر السنوات السحيقة، ترتدي شيئًا ما عباءة التأخر عن التطور والتمدن، واللحاق بركب الحداثة والتكنولجيا التي سبقنا العالم المتحضر إليها بسنوات.

ومنذ سنوات النهضة الأولى، كانت بلدنا تنشد النمو وتتلهف أن تراه يكبر بحجم الطموحات والتطلعات التي كان يرجوها لنا آنذاك السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- الرجل الوفي المخلص الخالد فينا، الذي نحبه حبًا جمًا؛ إذ ترك لنا آثارًا ومنجزات نفاخر على الدوام بها. وجاء بعده حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه وسدد على طريق الخير خطاه- بنهج سديد وبرؤى وثابة وللخير طموحة، ومعهم أبناء عمان البررة وشعبها الأوفياء المخلصين، مشكلين معا لحمة وطنية محمودة آخذة في التمدد والنماء بما يحقق الرخاء، ويجلب السخاء.

ظلت أرضنا وقتها تنام على أتون السماحة والبساطة، ويغمر ساكنيها المحبة والتسامح، يعتصمون فيما بينهم وفي تداخل وطني وأسري ضارب في القدم بعراقته وأصالته، بالثوابت الإسلامية وبقيم المجتمع والأصالة المعاصرة، وبعاداته وتقاليده التي فطرت على التعاضد والتآلف، والمحافظة والتجديد، بما يتماشى مع روح العصر ومتطلباته.

وجُبلت عمان من أقصاها إلى أقصاها مع تنوع الثقافات بها، على الإلزام بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، وبشرعيتنا السمحاء الغراء، التي لا شك أن بها فوزنا وصلاحنا، تغشانا من خلالها عرى المحبة، وتربطنا في ثناياها وشائج قربى صرنا بها أقوى، وبها أضحينا رجالًا فغدونا بها أغنى.

إن أجدادنا وآباءنا وثلة من الناس هناك، ونخبًا منهم هنا وجماعات عندك وأفرادًا حولك، كانوا يتشكلون في قبائل شتى، وتراهم يتوجهون بعد الفجر نحو حقولهم، مُمتطين الفأس ومتأبطين بالقفير، وعدتهم الأخرى المجز والحابول. وكان هناك من يرسم لهم ملامح الطريق نحو الرقي والتطور، وكان هناك من يرى مستقبلهم بعينه ماثلا أمامه، بينما هم بنفوسهم الأبية العزيزة، يرون فيما عندهم آنذاك بأنه حياة، فلم يهنوا ولم يتخاذلوا؛ فسادوا الأرض بعروبتهم وبطولاتهم، لم لا وهم عرب أقحاح جحاجح شمّ ترجى فضائلهم.

فخطواتهم كانت ترتسم على دروب لا بها شدة، وهممهم العالية وملاحم البطولة والسؤدد، ونظراتهم للمعالي، كانت لا تمتاز بالحدة لدرجة القسوة والجبروت، بقدر ما كانوا نجبا هينين طيبين، كرماء الأصل رحماء بينهم، تراهم ركعا سجدا تارات، وأصحاب ذكاء وفطنة ونباهة وبشارات تارات أخرى، فنعم الرجال هم الذين تعاقبوا علينا .

إن أحلام العمانيين قديمًا، كانت تغفو في هدوء يستجلي النور، ويستحث المسير نحو العمل ومستقبلًا واعدًا بالسرور؛ فجزء منهم كان يطوع الأرض والتربة لتكبر معلمًا شاهقًا هنا، ولتعلو أخرى منجزًا وآثارًا تاريخية متنوعة هناك، فكانوا يرون وقتها أن مزارعهم وبساتينهم ومهنهم المتواضعة واعمالهم البسيطة وتجارتهم الصغيرة، هي الخير كل الخير الذي كانوا يعتمدون عليه في أرزاقهم وأقواتهم، فكانوا ليتحقق لهم مكسب الرزق الحلال، ييمّمُون قبيل الشروق، نحو وجهات عدة طلبا له ولمآرب أخرى، وفي الجانب الآخر كانت السفن تمخر ببعض منهم عباب البحار والمحيطات، فكان منهم نواخذة وربابنة وبحارة مهرة. أصبحوا سادتها ورجالا على أهوالها، وفرسانا على أخطارها.

وفي خضم التجانس المعتاد للبيت والمجتمع العماني والفكر البدائي الذي قلما تشرّب العلم، وعرف السبورة والطبشورة والكتابة آنذاك، لظروف مختلفة إلا من بضع كلمات وآيات وسور حفظوها من المعلم صالح ود غروبه - يرحمه الله- وغيره، كان ذلك الوطن يتوق إلى أن يكون هالة وضّاءة بالنعيم والراحة، يزهى بها بعد سنوات عجاف أتعبته وأرهقته.

فجاء الثالث والعشرون من يوليو المجيد عام 1970، ليحقق للعمانيين ذلك، وليعيد لهم ولعمان هيبتها وليجدد طاقاتها، ويستحدث موضعها ومكانتها على الخريطة الدولية بكل ما هو مشرف.

وفي وقت كانت سماوات الأمل تكبر بمنجز هنا وآخر هناك، كانت عمان بحاجة إلى رجال ليخدموها، وليشاركوا في عملية البناء والتطور، فاختار السلطان قابوس -طيب الله ثراه- لتلك المرحلة رجالًا، قدموا ما قدموا لعمان، وعملوا ما عملوا لها بإخلاص وتفان، كل في مجاله وموقعه، لتمضي عمان بعد ذلك، تتجدد وتكبر برجال آخرين تركوا أيضا بصماتهم.

وفي هذا العهد الجديد عهد السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله- كانت كل مرحلة تتطلب عملًا مختلف نيط برجال آخرين من أبناء عمان الذين كانت بهم الكفاءة، فهكذا هي الحياة؛ لكل مرحلة رجالها.

وفَّق الله تعالى من نالوا مؤخرًا الثقة السامية بتولي مناصب حكومية في مختلف القطاعات مدنية كانت أو عسكرية، والشكر كل الشكر لأولئك الذين خدموا وقدموا وأخلصوا وعملوا وفكروا وابتكروا، فبالسابقون والحاليون من المسؤولين والموظفين عمان تتقدم، فبارك الله في الجميع وشكرا للجميع.

تعليق عبر الفيس بوك