ولاية السحاب.. الجبل الأخضر بانتظار التنمية الشاملة

ناصر بن سلطان العموري

يصف الشيخ العلّامة نور الدين السالمي في كتابه "تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان" الجبل الأخضر قائلًا: "وفي عمان الجبل الأخضر، ويقال له رضوى، وهو جبل من عجائب الدنيا مملوء بالفواكه من الرمان والعنب والجوز والخوخ والمشمش والبوت والنمت وغيرها"، فمن منا لا يعشق الجبل الأخضر؛ ففيه قمم تعانق السماء وجو عليل جميل يشرح النفس، ويبهج الفؤاد يقطنه أناس الكرم شيمهم، والنخوة طبعهم، والطيب معدنهم.

لم تكن الزيارة السامية للجبل الأخضر في أواخر شهر أغسطس من العام الماضي زيارة عابرة؛ بل كان لها مغزى كبير، ونظرة ثاقبة من صاحب بصيرة؛ إذ تجسدت ملامحها وانبثقت من خلال المرسوم السلطاني الذي تضمن رفع المستوى الإداري لنيابة الجبل الأخضر إلى مستوى ولاية لتكون بمسمى "ولاية الجبل الأخضر".

وكان لسماع المرسوم نشوة تناثر شذاها بين قرى الجبل الأخضر غمرت سكانها فرحة عارمة بالخبر السعيد الذي طال انتظاره منذ أمد فقد امتدت مطالبات الأهالي برفع مستوى نيابة الجبل الأخضر لأكثر من ثلاثة عقود، وقد تطرقنا سابقا في أكثر من مقال حول أهمية الجبل الأخضر من الناحية الاستراتيجية وما يمثله من موقع جغرافي متميز وما يحتاجه لكي يكون وجهة سياحية واعدة؛ فالجبل الأخضر من خلال موقعه الاستراتيجي يعد واسطَة العقد والقلب النابض لعمان.

يتميز الجبل الأخضر بنسيجه الاجتماعي الأصيل الذي لم يغيره الزمن ولا المدنية فهو لا يزال يحافظ على إرثه الممتد منذ قرون ولم يغير الناس عاداتهم وتقاليدهم وطريقة معيشتهم، وترابطهم، وتآلفهم، وتمسكهم بالمكان، رغم قسوة التضاريس ووعورة المنطقة والتي جعلت من هذا الجبل حياة نابضة، كما إن النسيج القبلي لم يتغير وتراه ثابتا راكزا منذ الأزل وهو ما تجده يتجلى في كل قرية من قرى الجبل الأخضر.

لا شك أن رفع المستوى الإداري للجبل الأخضر إلى ولاية من شأنه أن يعطي بعدا تنمويا شاملا نتيجة لموقعه الجغرافي، وتميزه بعوامل شتى يحتاج إلى نظرة شمولية متكاملة لتنمية البنى التحتية وتنمية القرى والريف فيه كما إنه يلعب دورا في استقطاب السياحة، ولذلك فإن تأهيل وبناء مرافق سياحية أصبح واجبا؛ لما تتميز به المناطق الجبلية والتي تبرز معالمها وعناصر جمالها الأخّاذ ستقدم إضافة قيمة للقطاع السياحي وتجعله منافسا لمناطق أخرى تتميز بنفس المناخ، فالتنمية المستدامة ستساعد على تحسين جميع أنماط الحياة ومنها الصحية على سبيل المثال لا الحصر من خلال إقامة منتجعات صحية للنقاهة كما أنه أصبح من الضرورة بمكان العمل على تأهيل وترميم بعض الحواري والقرى التراثية بالجبل الأخضر وجعلها مزارًا سياحيًا خلابًا.

من هنا، يجب أن لا نغفل عن معضلة نقص المياه في الجبل الأخضر وتسببها في شح الرقعة الخضراء وتجلى ذلك في اندثار المدرجات الزراعية (المساطب)- كما تعرف محليًا- بعدما كانت من أوجه الجمال بالجبل الأخضر، وكذلك ندرة بعض المحاصيل التي كانت موجودة بكثرة سابقا وبكميات وفيرة مثل الثوم العماني ومعاناة بعض المحاصيل الحالية من الآفات الزراعية كالرمان، فلا بُد هنا من تعجيل إمداده بالمياه، وإنشاء السدود في الأماكن المناسبة، من أجل استغلال مناخ الجبل الأخضر الخلاب وجعله واحة خضراء غناء، منتجة لأصناف شتى من الفواكه المتنوعة شهية المذاق من جوز ومشمش ورمان، وهذا ما يقودنا إلى إضافة محاصيل أخرى تتناسب مع نفس المناخ لتعزيز منظومة الأمن الغذائي.

ونأمل وضع برامج التنمية بصورة مدروسة وواضحة المعالم تناسب احتياجات ولاية الجبل الأخضر بكل دقة والسعي نحو تحسين وتهيئة الطريق المؤدي للجبل الأخضر وجعله مناسبا لصعود السيارات ذات الحجم الصغير تشجيعا للسياحة، والتفكير أكثر من أي وقت مضى في إنشاء مطار بمواصفات دولية لربط الجبل الأخضر بالعالم الخارجي وجعله وجهة سياحية متميزة مما من شأنه ان يضيف لسمعة السلطنة الكثير على الخارطة السياحية.

ونتيجة لصعوبة جغرافية ولاية الجبل الأخضر الوعرة وقلة المخططات السكنية وارتفاع تكاليف البناء بها نتيجة عدم توفر المواد الأولية، شهد الجبل الأخضر فيما مضى هجرة سكانية لأبنائه للسكن خارجه، ولا بُد هنا من استحداث مخططات سكنية حديثة، وإعادة النظر في بعض المساحات الشاسعة التي تملكها بعض الجهات الحكومية الغير مستغلة بالشكل الأمثل، والعمل على بناء منطقة صناعية متكاملة لتغذية المنطقة كونها سوف تشهد زخما في البناء والعمران في المرحلة القادمة.

إن الاهتمام السامي بالجبل الأخضر يدل أيّما دلالة على النظرة الثاقبة للقيادة الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله-  فهل سنرى وجهة سياحية جبلية متميزة ذات صبغة عمانية يشد إليها السواح الرحال من أرجاء المعمورة مستقبلًا؟ وعمومًا الأيام حُبلى بما تحمله من أخبار سعيدة.