ضغوط العمل.. استراتيجيات وحلول

 

د. سليمان بن خليفة المعمري

متخصص في قضايا الإرشاد الوظيفي

 

تشير بعض الدراسات إلى أن 85% من الموظفين يعانون من ضغوط العمل، وأن ما يقارب 10% من إجمالي الناتج القومي في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها يذهب لعلاج الأمراض المرتبطة بضغوط العمل، كما تتسبب الضغوط في العديد من الآثار النفسية والصحية والاجتماعية والاقتصادية على الموظف ويتأثر أداؤه الوظيفي كذلك، ناهيك عن الآثار السلبية على المؤسسة المتمثلة في قلة الولاء المؤسسي وكثرة التغيب عن العمل والدوران الوظيفي وغيرها.

والواقع أن الضغوط تسير جنبا إلى جنب مع حياة الإنسان بشكل عام ومع مهامه ومسؤولياته بشكل خاص، ولا يمكن تصور عمل بدون أية ضغوط على الإطلاق، لذا فإنه لا مفر من الضغوط، وأن قدرا معقولا منها ضروري لتحفيز الموظف وزيادة إنتاجيته واستعداده للأداء بشكل أفضل، والحقيقة أنه كما أن الأعباء الوظيفية التي تفوق قدرة الشخص والتي لا تتناسب مع مهاراته تسبب له الشعور بالضغط فكذلك بقاء الموظف بدون عمل أو مهام يقوم بها تسبب له نفس الشعور بالضغط، ولعل أبرز المظاهر التي قد تبدو على الموظف المصاب بالضغوط هي: سرعة انفعاله وكثرة ارتكابه للأخطاء وتغيبه عن العمل وقلة الدافعية والحماس لديه وانخفاض الإنتاجية والرغبة في العزلة وادعاء المرض والشعور بالاحتراق النفسي وغيرها.

ونظرا لما تخلفه الضغوط من تحديات على الفرد والمؤسسة ناهيك عن استحالة منعها والتخلص منها بشكل نهائي كان لابد من إيجاد العديد من الاستراتيجيات والحلول التي قد تسهم في التعامل بفاعلية مع ضغوط العمل والحد من تأثيراتها لأدنى حد من أجل تحقيق الاستتباب النفسي للشخص والشعور بمستويات عالية من الرضا والرفاه النفسي، ويمكن للشخص اتباع الاستراتيجيات والطرق التالية للتعامل مع ضغوط العمل:

1- الطرق الفسيولوجية وتتضمن قيام الشخص ببعض التمرينات الجسمية كالإيروبيك Aerobic واعتماد نظام غذائي صحي خال من الدهون المشبعة والكربوهيدرات والنشويات والإكثار من الخضروات والفواكه، وتجنب الوجبات الدسمة أو المنبهات كالشاي والقهوة والمشروبات الغازية قبل النوم، والاسترخاء عبر تقنية التأمل من خلال جلوس الشخص في مكان هادىء والتنفس بعمق وطرح الهموم ومشاغل العمل جانبا لمدة لا تقل عن ربع ساعة يوميا.

2- الطرق المعرفية وتشمل حديث الذات الإيجابي وما يقوله الشخص لنفسه وما يردده بشكل دائم حول العمل وعلاقاته الاجتماعية والمستقبل (ما يقوله الشخص ينطبع في الذهن ويظهر في السلوك والتصرف)، وضرورة تعلم مهارات حل المشكلات واتخاذ القرار؛ إذ إن هذه المهارات تتطور بالتعود والممارسة، بالإضافة إلى أهمية مراقبة الشخص لأفكاره ووقفها في حال الإغراق في التفكير السلبي أو التشاؤمي وتفنيد هذه الأفكار ودحضها وإضعاف حجيتها للتخلص منها والحد من تأثيراتها.

3- الطرق السلوكية عبر تعلم مهارة إدارة الوقت وحسن استثماره والاستفادة القصوى من الوقت المتاح وعدم تأجيل وتسويف الأعمال والمهام، وأن لا يبقى معلقا بالعمل طوال اليوم وأن يحاول الفصل بين العمل والحياة الخاصة أو الشخصية من خلال إيجاد هويات يمارسها بعد انتهاء الدوام، كما إنه من الأهمية تعلم الشخص الأساليب المؤكدة للذات من خلال التعبير بشكل لطيف ولبق عن احتياجاته والقدرة على قول" لا" بشكل مهذب ولطيف، وممارسة التمارين الرياضية كالمشي والسباحة وتمارين الاسترخاء من حين لآخر، بالإضافة إلى تمتع الشخص بحس الفكاهة والتعامل مع الضغوط بروح الدعابة؛ فالشخص الجاد على الدوام أكثر عرضة للإصابة بالضغوط، كما إن هناك قاعدة في علم النفس ترى أنه لا يمكن أن يجتمع المرح والضغوط في العقل في وقت واحد.

4- الطرق الإنسانية والوجودية من خلال ممارسة بعض الجوانب الروحية كذكر الله وقراءة القرآن والسعي لإيجاد هدف يسعى الشخص لتحقيقه وإيجاد معنى للحياة يعيش من أجله وأن يؤمن بأن في الحياة ما يستحق أن يحيا من أجله، بالإضافة إلى التوجه الإيجابي والنظرة للحياة بتفاؤل وإيجابية مستحضرا التوجيه النبوي الشريف: "إن الله يحب الفأل ويكره الطيرة".

وعمومًا فإن الإنسان مطالب بأن يتعامل بكفاءة وفاعلية مع ضغوط العمل وأن يشعر بالحب تجاه عمله الذي يمارسه من خلال إعطاء قيمة value لهذا العمل وأنه بهذا العمل يحقق ذاته وأن يضع في اعتباره أنه بمروره بالضغوط والتحديات في أثناء العمل ما يسهم في صقل شخصيته ويكسبه الثقافة والخبرة والمهارة التي يحتاجها في الحياة، كما إن على المؤسسة أن تعمل على الحد من شعور الموظفين بالضغوط من خلال اتباع عدد من الأساليب والاستراتيجيات مثل: انتهاج سياسة تتسم بالشفافية والعدالة، وتطوير نظم الاختيار والتعيين وفق قاعدة "الشخص المناسب في المكان المناسب"، كما إن عليها إيجاد قنوات تواصل فاعلة بين مختلف المستويات الوظيفية، وإيجاد نظم واضحة للتطور والترقي الوظيفي، وتشجيع المساندة الاجتماعية بين الموظفين وتعزيز العمل بروح الفريق الواحد.

تعليق عبر الفيس بوك