الماء الخليجي بين فقر مدقع وفقد تنظيمي مشترك

فاطمة الحنطوبي

خبير بيئي واستدامة

الجفاف والنقص في الموارد المائية تحديات أزلية تواجهها دول الخليج العربي والتي صنفت أنها تحت خط الفقر المائي والمعروف على أنه الحد الذي تبلغ فيه كمية المياه المخصصة للفرد سنويا 1000 متر مكعب من المياه المتجددة وما دون ذلك فهو فقر مائي مدقع وهذا ما يضعنا نحن دول الخليج العربي اليوم أمام تحدٍّ يلزمنا بتفعيل ما يلزم للنجاة بموردنا الطبيعي من المياه.

وقضية المياه صارت هاجسًا وصراعًا يؤرق الدول، التي باتت تسعى لتعظيم إنتاجيتها والحصول على الكمية الأوفر من حصة الماء، هذا ما يتسابق عليه العالم اليوم، متجاهلين يذلك مفاهيم التوازن والاستدامة والتي تدعو لها الأمم المتحدة من خلال أهداف التنمية المستدامة كما أقرتها في عام 2015 ضمن وثيقة 17 هدفًا عالميًا و230 مؤشرًا من هنا انطلقت استراتيجيات الدول لتنسج خططها ضمن تحقيق الأهداف.

دول الخليج العربي تقع ضمن النطاق الصحراوي الجاف، هذا الموقع الذي فرض عليها الندرة في الأمطار، وهي دول متنامية اقتصاديا؛ حيث يصل نصيب الفرد من المياه العذبة في هذه الدول إلى 500 لتر في السنة فكانت قضية ندرة ومحدودية المياه أثرا في استراتيجتها وسياساتها المائية التي وضعتها لتغطي تزايد الطلب على الماء وتكمل مسيرة التقدم والتطور الحضري والاقتصادي المستدام، تماشيا مع أهداف التنمية المستدامة ومن ضمن هذه الأهداف: الهدف السادس الذي يعني بخدمات الصرف الصحي هذا الهدف في دول غنية كدول الخليج تم تصنيف تحقيقه في هذه الدول ضمن الأعلى جودة بالعالم؛ حيث خرجت بنتائج 100% في سبيل توفير خدمة الصرف الصحي.

أما السياسات المرتبطة بالمورد المائي في دول الخليج و تخطيط استراتيجية مشتركة بين الدول ذات الموارد المائية المشتركة مفقودة، بالرغم من أن موردها الطبيعي هو مورد عابر للحدود، تشترك به عدة دول، من هنا تنشأ فجوة تعيق التقدم في الإدارة والسياسة الدولية، فإقامة تشريع خليجي واستراتيجية شاملة تساعد الحكومات في تأمين مواردها البيئية دون الحاجة إلى تعطيل علاقاتها الخارجية بين الدول المجاورة.

شهدنا بعض المبادرات الحكومية لسياسة حفظ المياه الجوفية هي مشاريع إقامة السدود، وإعادة تدوير المياه، والاستمطار لكل دولة على حدة دون وجود سياسة شاملة لدول الخليج مع أنها منطقة واحدة مرتبطة بمورد مائي جوفي مشترك يتأثر بزيادة الطلب على المياه من موقع لآخر.

منطقة الخليج حاليًا تعتمد على مياه التحلية كفرصة بديلة لتعويض التدهور الناتج من تداخل المياه المالحة مع المياه الجوفية؛ مما أدى إلى خفض درجة جودة هذا المورد الطبيعي فكان تصنيع المياه المحلاه هو الحل البديل في توفير المياه لأغراض الشرب والاستخدام المنزلي والتجاري والصناعي حتى أصبحت التحلية من أهم المنشآت لتوفير موارد المياه العذبة بسبب نمو الاحتياجات المائية مقابل ندرة موارد المياه الطبيعية المتمثلة في المياه الجوفية والزيادة السكانية ومن المتوقع أن ترتفع الاحتياجات المائية في المستقبل نحن بحاجة إلى استراتيجية لحفظ الأمن المائي على مستوى الخليج والأخذ بعين الاعتبار التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفاعلية الاستدامة في هذه الاستراتيجية.

أما النظام المؤسسي في دول الخليج والمسؤول الحالي عن الموارد المائية لا ضير أنه يفعل سياساته بكل جودة، ولكن متشعب المهام متداخل مع قطاعات مختلفة وكل مؤسسة في معزل عن الأخرى و غير مربوط مع مؤسسات أخرى تتداخل معها بنفس المسؤوليات.

السياسة المنتهجة الحالية في غياب عن التكامل والشمولية لإدارة المورد المائي الخليجي لا بد من النظر للمنطقة الخليجية على أنها منطقة واحدة لتحقيق التوازن المائي، وحفظ هذا المورد الطبيعي من أي مصدر يسبب في تدهوره أو تقليصه أو عجزه في الكمية والنوعية للموارد المائية المشتركة.

واستدامة المورد المائي، قضية أساسية لدول المناخ الصحراوي الجاف، وأي تفاقم في تدهور هذا المورد المائي يعرضنا إلى تكاليف اقتصادية وصحية باهظة نحن في غنى عنها. إن تحقيق الاستدامة الخليجية للموارد المائية يستطيع استيعاب الطلب المستقبلي على المياه و يحقق الأمن المائي والأمان المعيشي للإنسان وتعزز العلاقات الإقليمية المترابطة.

وأخيرًا، نضع بين قوسين شأنا ذا أهمية في التعامل مع السياسات المائية ألا وهو المخطط الشمولي لمنطقة الخليج للموارد المائية المشتركة الذي يضم كافة ملفات المياه؛ من مياه جوفية ومياه تحلية ومياه صرف صحي؛ إذ إن تكامل سياسة المورد المائي يخلق لنا حلولا متكاملة في مواجهة الأمن المائي الخليجي.

تعليق عبر الفيس بوك