تويتر في عُمان!

 

معاوية الرواحي

 

خيرُ وصفٍ يمكن أن نسمي به آلة التغريدِ الإلكترونية هذه هو وصف "المؤسسة التعويضية الأولى في عُمان"؛ لهذا الموقع الإلكترونية خواص ساحرة وجاذبة، فإضافة إلى بساطته، وبداهته، ومُباشرته، صنع لنا موقع التدوينات النصية القصيرة هذا مكانا مُشتركًا يسمح لنا بالعودةِ إليه عدة مرات في اليوم.

فعلى عكس "يوتيوب" الذي يحتاج إلى اشتراكٍ، وبياناتٍ ووقت، وتركيزٍ، وعلى عكس الفيس بوك الذي يمكنُ أن يسبب لك الحرج مع أصدقائك إن دخلتَه دخول الكرام، قليل المكوث، سريع الرحيل، يأتي هذا الموقع مع تطبيقه بارزًا في الذاكرة البشرية، فهو منصة نشر، وتعبير، ونقاش، وتواصل اجتماعي، ومنصة تجارية، وفي عُمان حُمَّل واجباتٍ أخرى تتعلقُ بالنقاش الاجتماعي، والقضايا العُمانية، والشؤون العامَّة.

مزايا تويتر كثيرة، سهولة الانتشار، والفردية المفرطة في إعطاء صاحب المنبرِ حريته. قوانينه لا تخلو من التحيز، ولم يمض وقتٌ طويلٌ على منع حساب رئيس دولة الحريات الكُبرى في العالم! حسب زعم البعض! ورغم ذلك، لتويتر بيئة جميلة إن استطاع المرء أن يتجاهلَ الخلطَ الذي به، فهو بيئة رائعة إن اخترتَ من تتابعه بعناية، مع ذلك، لن تسلم من شرور "الخط الزمني/ التايملاين" وستجد نفسك مجبرًا على خطابات السميَّة، والكراهية، وقتال وصدام الرأي العام. عالمٌ من المعلومة السريعة وللأسف الشديد مُفسدٌ كبير للكتابة، كيف يمكنك أن تحترمَ اللغة التي تكتبها في تويتر، وهو من الأساس أعطاها عمرًا افتراضيا لا يتجاوز الساعات القليلة! حتى زجاجة الحليب تعيش مدة أطولَ من تويتر، الذي يتفنن في إعادة تدوير فنون الساعة حتى لو كان ذلك على حساب تغريدة كُتبت قبل عشر سنوات! لتويتر ما له، وعليه ما عليه! ولكن ماذا عن الواقع؟

مرَّت سنواتٌ على عُمان وللكلام موجات عالية وأخرى منخفضة. هو حتى هذه اللحظة الخيار اللغوي الأخير الذي اختارته الجموع العُمانية، وبعد تراجع سطوة الفيس بوك "ميتا حاليا" نشأت المؤسسة التعويضية، الإعلامية، والثقافية العُمانية بشكل مرتجل عبرَ التفاعل الإلكتروني. هُناك جانبٌ بسيطة مما هو مرئي، وما هو تدويني، ولكنه في المقام الأوَّل موقع اللحظة، موقع لحظة الساعة، ورجل الساعة، وقضية الساعة، ومأساة وكارثة الساعة. نراه تارةً جبلًا من المحبة والتضامن كما كان في أيام الإعصار شاهين، ونراه طوفانا من التضامن كما يحدث في التعاطف مع فلسطين المحتلة، ونجده مزبلةً تحفل بالقذارة عندما يمتلئ بالكراهية، والسموم، وفي حالات نادرة قليلة الفتن المذهبية أو الخطابات المشوهة.

في تويتر طيف بشري من كل الأنواع؛ فهناك البسيط العادي الذي يكتب عن أيامه، وهُناك المعقَّد العدمي، والمتباهي بحبه للحياة، والمتعالي عن الناس، والمنتمي والمنحاز لقضايا الناس، وهناك المسخ البائس والشبح الخفي، وهُناك الأداة، وهُناك الفردي، وهُناك الدعائي، كل هؤلاء في موقع إلكتروني واحد لم يصمم لكي يحتوي مؤسسة تقوم بفعل النشر، ابتداءً، مؤسسة إلكترونية مرتجلة كان حريا بها أن تكون لإعادة نشرِ فعل المؤسسة الأولى، الغائبة، تلك التي حتى هذه اللحظة لم تتكوّن بما يكفي لكي تحمل على كتفيها عبء الحوار الفكري، والشعبي، والمجتمعي، ولن أقول السياسي لأن هذه منطقة لا أريد الخوض فيها لأسباب أجدها وجيهة.

لقد قام تويتر بواجبه، في عصر الصمت والخوف من الكلام، وفي عصر السقف الجديد، وإمكانية الكلام المعقولة، على الأقل في الشؤون الاجتماعية العامَّة، واصل تويتر حمل راية التكوّن لهذا الخطاب العام، واليوم يمكن أن نسميه بالمنصة الأولى، لنشر الخبر، وللبحث عن تفاصيله، ولمعرفة الجديد الذي يدور في عالمِ عُمان الاجتماعي. قام تويتر بواجبه حتى أصبح الآن يُحمَّل ما لا يُحتمل، جهودٌ هائلة من ذوي العقل والأفكار والآراء تصبُّ قطراتها في نهر اللغة العُماني، لماذا؟ لأنَّه حتى هذه اللحظة هُناك تراجع في مأسسة الخطاب الفكري والثقافي، ودورٌ لن تقوم به مؤسسات المجتمع المدني فحسب، واجبٌ يجب أن تتظافر فيه جهودٌ بادئة، ستحتاج إلى وقت ليس بالقصير حتى تكافئ مهارة، ومرونة، وسرعة، وفاعلية تويتر الذي لا يعيبه سوى اختلاط الخطاب الانفعالي والمنطقي به، والذي يعيبه أيضا أنَّه يوصل الكاتب إلى طريق مسدود بعد أن يتمرَّن قليلا على فتنة النص القصير، وعلى سرعة الوصول للآخر.

حان الوقت لكي نقسمَ من تويتر بعض وقتنا، نمنحه لكتابة المقال، ولصناعة الندوات، فهو حتى في هذا الجانب يصنع لنا مؤسسات مُرتجلة، مساحاتٍ صوتية، بينما العقول القلقة تمضغ الخوف عن أثرها على هذا المجتمع، وغير ذلك من صناعة المخاوف، نأتي إلى ضفة الرماد، تلك التي لم تبدأ تفاعلها مع المجتمع الكبير في صيغة مؤسسية معقولة، تسمح بالحوار، وتضع النقاط على حروفِه، وتفتح بابًا للاستفادة من كل هذه الجهود التي من الخسارة الكبيرة أن تذهب في خط زمني رقمي. عمر صلاحيته قليل، وفائدته طويلة المدى موجودة، ولكنه لم تدوَّن بما يكفي لنطمئن أنَّها باقية.

لقد حان الوقت لمأسسة كل هذه الجهود، وسيبقى تويتر كما هو عليه، منصة للنشر، ولكن هذه المرة، لنشر ما تمَّ قبله، لا لنشر ما حدث فيه.