نهج الإصلاح المُتجدد

حاتم الطائي

◄ حزم متكاملة من المراسيم السلطانية أعادت تشكيلة الدولة العمانية الحديثة

◄ استقلالية المؤسسات ولامركزية الإدارة وإعلاء سيادة القانون.. أعمدة البناء الحديث للمؤسسات

التنمية المحلية في المحافظات مقبلة على تطور غير مسبوق مع ترسيخ اللامركزية

مسيرة الإصلاح في الدول لا تتوقف عند مرحلة بعينها، ولا تنتهي بإجراءات محددة؛ بل تظل في حالة تجدد واستمرارية لبلوغ الأهداف، وتحقيق الغايات، التي تتمثل في الارتقاء بمؤسسات الدولة ورفع كفاءتها، وتجويد العمل الإداري والمؤسسي، بما يسهم في نهاية المطاف في تنمية المجتمع ودعم مسيرة تطوره.

ومنذ أن تولى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم قبل عامين ونصف العام، ومؤسسات الدولة تتطور يومًا تلو الآخر؛ فعُمان الأمس ليست عُمان اليوم، وعُمان الغد أكثر تطورًا ونموًا من أي وقتٍ مضى. ولقد كان التعهد الأول لجلالته أمام شعبه الوفي، بإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، والتي مرت بمراحل مختلفة خلال الفترة الماضية، أبرزها في أغسطس 2020؛ حيث صدرت مراسيم سلطانية سامية بإنشاء نظام جديد للجهاز الإداري للدولة، وإلغاء بعض القوانين، وإنشاء وزارات، ودمج أخرى، وتعديل مسميات لمؤسسات الدولة، وتحديد اختصاصات وزارات، واعتماد هيكلها التنظيمي، وإنشاء وحدات حكومية جديدة مثل: وحدة متابعة تنفيذ رؤية عمان 2040، وتحديد اختصاصاتها واعتماد هيكلها التنظيمي، وكذلك إنشاء هيئات جديدة مثل الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة، فضلًا عن إلغاء بعض المجالس المتخصصة وإلغاء هيئات، وإعادة تشكيل مجلس الوزراء. ثم في يناير 2021 مع صدور النظام الأساسي الجديد، والذي أعاد صياغة منظومة مؤسسات الدولة ونظام الحكم والخلافة فيها، وغيرها من الأمور التي تضمنها النظام الأساسي.

أما ثالث المراحل الرئيسية فكانت قبل 3 أيام مع صدور 13 مرسومًا سلطانيًا ساميًا تضمنت إعادة تشكيل مجلس الوزراء وتعيين 3 وزراء جدد، وكذلك تنظيم إدارة شؤون القضاء وإنشاء المجلس الأعلى للقضاء، وإصدار نظام المحافظات، وتحديد اختصاصات وزارة الداخلية، واعتماد هيكلها التنظيمي، وتعديل بعض أحكام قانون المجالس البلدية، ونقل اختصاص حصر وتثمين الممتلكات من وزارة الداخلية إلى وزارة الإسكان والتخطيط العمراني، وتعيين نائب لرئيس المجلس الأعلى للقضاء (وهو السيد محمد بن سلطان بن حمود البوسعيدي)، وتعيين محافظين، وتعيين رئيس لجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، وتعيينٍ في بعض المناصب، وتعيين أمين عام للمجلس الأعلى للقضاء، ونقل موظف إلى وزارة الخارجية، وإصدار قانون الأوراق المالية.

والمتأمل في هذه المراسيم يجد الحرص السامي على تأكيد 3 مرتكزات أصيلة تُبنى عليها الرؤية السامية لهيكل النظام الإداري للدولة، أولها: تعزيز استقلالية مؤسسات الدولة ومنحها الشخصية الاعتبارية، وثانيها: ترسيخ نهج اللامركزية بما يضمن سرعة اتخاذ القرارات وملامستها لاحتياجات المواطن، وثالثها: إعلاء سيادة القانون، لتوطيد مكانة دولة المؤسسات والقانون.

وهذه المرتكزات الثلاثة الأصيلة تمثل أعمدة البناء الحديث في الدول العصرية، فلا يمكن تحقيق تقدم في التنمية المحلية دون منظومة إدارية تضمن للمحافظ استقلالية القرار، ولذلك منح نظام المحافظات الجديد المحافظ سلطة رئيس الوحدة، وهو ما يساعده على سرعة اتخاذ القرار، وكذلك يمكن للمحافظ الآن وضع ميزانية المحافظ وتحديد أوجه إنفاقها، وهنا نشير إلى الأوامر السامية التي قضت بتخصيص 20 مليون ريال لكل محافظة لتطوير مشاريع تنموية، ما يؤكد النظرة الثاقبة لجلالة عاهل البلاد ورؤيته الحكيمة الساعية إلى ترسيخ الممارسات الإدارية الرشيدة، القائمة على مفاهيم الحوكمة واللامركزية، وتلك الأخيرة رسخها نظام المحافظات المشار إليه، وتعزز ذلك بإلغاء مجلس شؤون المحافظات للتأكيد على الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإدري لكل محافظة.

أما فيما يتعلق بإعلاء سيادة القانون وتأكيد مكانة دولة المؤسسات والقانون؛ فقد تجلى ذلك في المرسوم السلطاني بشأن تنظيم إدارة شؤون القضاء؛ حيث تقرر بموجب هذا المرسوم التاريخي إنشاء المجلس الأعلى للقضاء برئاسة جلالة السلطان، والذي يتماشى مع أفضل الممارسات المتبعة في هذا المجال، بما يسهم في تسريع وتيرة التقاضي، وحفظ حقوق مختلف الأطراف في العملية القضائية، وتسهيل الإجراءات، وصولًا إلى العدالة الناجزة.

ويبقى القول.. إن الجهود الحثيثة التي يقودها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- لتطوير مؤسسات الدولة وتحديث منظومتها الإدارية، وفق رؤية حكيمة بعيدة المدى، لتؤكد أننا ماضون على النهج القويم الذي اختطه جلالة السلطان- أعزه الله- من أجل تحقيق المعيشة الكريمة لكل مواطن، ولكي تتبوأ عُمان مكانتها التي تستحقها، مرتكزة في مسيرتها النهضوية المتجددة على ركائز الدولة العصرية الحديثة ذات المؤسسات المستقلة والنظام القضائي المتطوّر والتنمية المحلية الشاملة والمستدامة عبر نظام لا مركزي للحكم المحلي في كل محافظة.. فهنئيًا لعُمان نهج الإصلاح المتجدد، وهنيئًا لكل مواطن يعيش تحت ظل هذا الوطن الشامخ بقائده، العزيز بأبنائه، المتقدم بسواعد المخلصين والمخلصات كلٌ في مجال عمله..