بسمة السماء: "وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى"

 

نوح بن محمد البوسعيدي

 

الدعوة لله شرف عظيم، وأهم صفة لأي داعية لله أن يكون لديه "بارض"، وليس أي قدر من "البارض"؛ بل بارض كبير، "وَلَوكُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ".

المغاضبة لا تتوافق من الدعوة "وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ". وليس من الدعوة العبوس: "عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى". والدعوة حكمة ونموذج عملي: "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ".

ولا مكان في الدعوة للملاسنة والتقاذف "وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"، وليس في قاموس الداعية الانتقام والشماتة: "فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ". وأهم هدف للداعية ليس الانتصار للرأي؛ بل يبكي إذا أفلتت منه نفسٌ إلى النار؛ فالداعية هدفه إضاءة أنوار الإيمان، لا الزّج بعباد الله في الأخدود والنار ذات الوقود.

و"لوأهل عمان أتيت ما سبّوك وما ضربوك"، هذا وسام شرف عظيم أكرم الله به كل عماني، وهذا الوسام النبوي النوراني الأزلي مغروس في قلب كل عماني وهوأعظم، وأجّل من أن يغيب عن وعي أي مواطن يعي عمانيته.

و"فأي فضل أبّر من فضلكم، وأي فعل أشرف من فعلكم، كفاكم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم شرفًا إلى يوم الميعاد". إنها شهادة تصديق من الخليفة الصديق -رضي الله عنه- على نبل أهل عمان. كل عماني يحمل هذه الشهادة بفخر.

وأهل عمان عُرف عنهم من الأزل اللطافة والأخلاق،  وقد وثّق الرحالة ابن بطوطة (1304- 1377م) انبهاره بحسن خلقهم وجميل معشرهم كما أشاد بذلك من زار عمان من قبله ومن بعده.

وأهل عمان منهجهم الأوثق "قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ"؛ لذا وبدون أي ضجيج يُعلن طواعية أفواجٌ من الوافدين والزائرين إسلامهم بمركز التعريف بالإسلام في جامع السلطان قابوس الأكبر رغبة لا رهبة.

ومما يردده العمانيون باعتزاز عن السلطان قابوس بن سعيد- رحمة الله عليه- الرغبة في أن يرى صداقة عمان تمتد لكل دول العالم؛ لذلك انتحب العالم لوفاته واكتظت مسقط بالمعزّين، وقد توّسم مولانا السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- خطاه ومشى على درب الأسلاف في القول الحسن والخلق الكريم وصفاء النفس.

وتقترن عمان منذ القدم بعلاقات صداقة راسخة مع العديد من شعوب العالم قبل العلاقات الدبلوماسية. هي علاقات الانسان بأخيه الانسان. ولم يكن مكوث العمانيين في أفريقيا لقرون بسبب قوة السلطة، وإنما بقوة تأثير الأخلاق والتعامل الحسن. ورغم الفتنة ما زالت ذكراهم طيبة.

ما أحوجنا اليوم للمّ شمل المسلمين وتوليف قلوب المؤمنين أمام جوائح التنكيل التي يواجهها المسلمون في أماكن عدة. وكم عانى المسلمون بسبب الفرقة والتقاذف وسالت أودية من الدماء البريئة وما زالت.

لنعي قاعدتنا الأصولية التي أكد عليها سماحة شيخنا الجليل أحمد بن حمد الخليلي- يحفظه الله- : "ونحن لا نطالب العباد.. فوق شهادتيهم اعتقادًا"، وليكن هديُنا مع من وجبت مناصحتهم: "فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَويَخْشَى".

** عضومجلس الدولة، رئيس الجمعية التاريخية العمانية

تعليق عبر الفيس بوك