"الوزارات السيادية" في دولة القانون

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

"الوزارات السيادية" تلك المؤسسات الحكومية "غير الخدمية" التي لا يمكن المساس بهيبتها، أو محاسبة أو استجواب وزيرها، أو استدعاء أيٍّ من مسؤوليها في جلسات علنية؛ سواء في المجالس البرلمانية أو الهيئات القضائية، ولذلك فمسؤولوها في مأمن من أي انتقادات أو رقابة، أو قضايا، لذا تعيش هذه المؤسسات هانئة مطمئنة، بعيدةً عن "الرقابة المُعلنة"، وبعيدةً عن المساءلات البرلمانية، أو حتى الشعبية، وقد نتفهم هذا الجانب السيادي في مؤسسات ذات الطابع العسكري أو الأمني، أو في الجوانب التي تمسّ السياسة الوطنية العليا للدولة، لكن ما لا نفهمه وجود بعض الوزارات والهيئات الحكومية التي تُصنّف "عُرفيًا" ضمن هذا التوصيف، ولا يمكن الاقتراب من هيكلها الوزاري بأي شكل من الأشكال! مع أنها تتعاطى مع الجمهور، وتتعامل مع المواطنين، ويمس أداؤها الدولة والمواطن بشكل مباشر.

فوزارة مثل وزارة الداخلية -على سبيل المثال- تُعد "عُرفيًا" ضمن الوزارات السيادية قبل تعديل الهيكل الإداري للدولة، ولم يكن دورها مهمًا كثيرًا للمواطن العادي؛ لأن مهامها تكاد تنحصر في فئة معينة من المواطنين، إلى جانب بعض الخدمات التي تقدمها للعامة. غير أن دورها أصبح أكثر حيوية وأهمية وشمولية في الهيكل الجديد؛ حيث يندرج تحت هيكلها الوزاري أهم القطاعات الخدمية وهو القطاع البلدي، إضافة إلى توسيع مساحتها الإدارية والمالية؛ لتشمل إشرافها على ميزانية ضخمة مستقلة معتمدة من الحكومة لكل محافظة من أجل تنفيذ الخدمات والمشاريع في الولايات والمحافظات التابعة لها، ضمن خطة اللامركزية الإدارية والمالية التي تنتهجها الدولة؛ مما يستدعي التركيز على إنتاجية الوزارة ورقابة أدائها بشكل صارم ومباشر من قبل مجلسي الدولة والشورى والأجهزة الرقابية الحكومية الأخرى، وبالتالي فرفعها من القائمة الاعتبارية للوزارات السيادية بات مطلبًا قانونيًا لا مفر منه؛ حيث أضحت الوزارة وزارة خدمية من الدرجة الأولى، وليست مجرد وزارة محدودة المسؤولية والخدمات.

كما إنّ المؤسسات الحكومية التي تندرج تحت مصطلح "الوزارات السيادية" بشكل عام تحمل طابعين: الطابع الخدمي، والطابع السيادي. والطابع السيادي يجب أن لا يكون تحت أدوات البرلمان "بشكل علني" بأي حال من الأحوال. أما الطابع الخدميّ فيها، فمن حق البرلمان استخدام أدواته في سؤالها ومحاسبتها واستدعاء رئيس الوحدة فيها للمناقشة، ومن حق المواطن أن يفهم أداء هذه المؤسسات فيما يخصه؛ لأنها تعنيه بالدرجة الأولى. فعلى سبيل المثال، وزارة الخارجية، لديها مهمتان منفصلتان: الأولى تتعلق بتنفيذ السياسة العامة للدولة وهذا أمر سيادي بحت لا جدال فيه. أما الجانب الثاني فهو الجانب الخدمي للسفارات العمانية في الخارج، ودورها في تقديم الخدمات للمواطن، وهو الجانب الذي يمكن مناقشته علنًا في جلسات الشورى، كما إن شرطة عُمان السلطانية لديها الجانب الخدمي فيما يخص خدمات الجمهور، والجانب السيادي في رسم السياسة الأمنية والشرطية، اللتيْن لا يمكن التدخل فيهما من قبل المجالس البرلمانية، وقس على ذلك.

إن تحديد وحصر مصطلح "الجوانب السيادية" في "المؤسسات الحسّاسة"- بشكل أكثر دقة وصرامة- يُتيح للجميع الاطلاع على الأداء الخدمي الذي يتعلق بحياة المواطن، كما يعطي لمجلسيّ الدولة والشورى قوة رقابية وأداءً أفضل مما هو عليه حاليًا، كما إنه يكرّس لمبدأ الشفافية، وتحسين الأداء في الجوانب التي تتعلق بحقوق المواطن، والذي أصبح شعار الحكومة المرفوع دائمًا في هذا العصر الزاهر.