قتل الأفكار

 

إبراهيم بن سعيد الريامي

 

الأفكار أساسُ كل شيء؛ فكل الاختراعات والابتكارات التي نراها كانت عبارة عن أفكار في عقول أشخاص مثلنا آمنوا بها وأخرجوها من عالم الفكر (العقل) إلى العالم الحسي المادي الملموس (الواقع)؛ فبدون الأفكار لا يمكن أن يكون هناك تطور ونمو في هذا الكون.

الأفكار يمكن أن تحل مشاكل الاقتصاد. الأفكار يمكن أن تحلّ قضايا الباحثين عن عمل. الأفكار يمكن أن تحقق قيمة مضافة للاقتصاد وتحول المواد الخام الى صناعات متعددة. الأفكار يمكن أن تحولنا الى أمة اقتصادية مبتكرة. الأفكار يمكن أن تخرجنا من بعض التحديات الشخصية التي تواجهنا في الحياة. الأفكار هي الشيء الحر الوحيد، ولا يمكن تقييد الإنسان من التفكير حتى لو أغلقت عليه كافة الأبواب.

هناك أفكار تساوي الملايين إذا تم اغتنامها ، وفي ذات الوقت تساوي صفرا إذا لم تنفذ. أفكار كثيرة تطرح لمعالجة مشاكل قائمة أو لتبني مشاريع معينة؛ منها يرى النور والآخر يقتل قبل أن يولد.

كيف تقتل الأفكار؟ يتم قتلها من خلال انتقادها، إظهار عيوبها، الاستهزاء بها، التشكيك بصاحبها ونواياه لذلك تموت الفكرة قبل أن تولد بأسلوب هادئ وبمسدس كاتم للصوت.

لكن من هم قاتلو الأفكار؟ قاتلو الأفكار كثيرون وهم ليسوا بالضرورة أعداء لنا؛ بل قد يكونوا من أقرب المقربين إلينا. قد تكون أنت نفسك من يقتل الفكرة من بداياتها عندما تخطر على بالك من خلال عدم الاهتمام بها، توثيقها أو إعطائها الاهتمام اللازم. قد يكون قاتل الفكرة زوجك ، أخوك أو صديقك المقرب إليك ، زميلك في العمل، لجنة يعهد إليها دراسة فكرة معينة فتقتلها. كثيرون هم قاتلو الأفكار. وليس بالضرورة أن يكونوا أعداء لنا؛ فنيتهم قد تكون سليمة ويتمنون لنا الخير؛ بل إن هؤلاء قد يكونوا حريصين على مصلحتنا وعلى مصلحة المؤسسات التي ينتمون إليها.

السؤال هنا: لماذا يستطيع البعض تبني الأفكار وإخراجها إلى حيز الواقع، بينما البعض الآخر يفشل في ذلك؟ الجواب بسيط للغاية؛ لأن الأفكار ضعيفة في بداياتها؛ فهي مثل النباتات الصغيرة تحتاج إلى حرث وسقي واهتمام حتى تكبر وتنمو وتأتي بالثمار، من السهل جدا أن تقتل الفكرة في بدايتها إذا لم تعرها العناية والاهتمام اللازمين. انتقاد بسيط يمكن أن يجتث الفكرة من جذورها فتموت. لكي تنمو الأفكار وتزدهر فهي بحاجة إلى بيئة حاضنة ومشجعة تعطيها الرعاية والاهتمام.

المجتمعات التي تقدر فيها الأفكار هي مجتمعات مزدهرة متقدمة؛ لأن الأفكار كما أسلفنا هي أساس كل الاختراعات والاكتشافات في هذا الوجود.

وعلى الصعيد الشخصي فإنني أعتقد أن من يرزقه الله ببعض الأفكار الجميلة، فلا يهتم بها ولا يتبناها فإن مثل هذه الأفكار قد لا تعاوده مرة أخرى وقد تذهب لغيره ويتفاجأ ذات الشخص أنه أضاع الفرصة، وتبناها غيره، ويقول في نفسه: "لقد ضيعت فرصة لطالما راودتني، لكني لم أهتم بها". من لا يحترم الأفكار فإن الأفكار لاتحترمه وقد لاتناديه. لأن الأفكار تنادي وتصرخ إلى من يتبناها. من يقدر الأفكار ويحترمها ويسعى إلى تحقيقها فستنمو لديه الأفكار وتزدهر. وهنا يمكن ملاحظة ظاهرة عجيبة وهي أن أصحاب الأفكار تتوالد لديهم الأفكار تترا، فمن مشروع جميل إلى مشروع أجمل وأجمل.

يُحكى أن أحد الأثرياء اتصل بمدير أعماله في ساعة متأخرة من الليل، فسأله المدير: "لماذا يا سيدي الاتصال في هذا الوقت المتأخر، ألا يمكن تأجيل الموضوع ليوم الغد"، فرد عليه: "خشيت لو لم أتخذ إجراء فوريًا حول الفكرة التي خطرت ببالي للتو، أن يهتم بها شخص غيري وينفذها قبلي". لقد أدرك هذا الثري أن الأفكار يمنحها الله للكثيرين من عباده، لكن قلة هم من يهتمون بها ويعملون على تنفيذها وبإجراءات سريعة وعاجلة حتى لا تفقد زخمها وروحها فتموت.

لقد تم الاستهزاء بصاحب فكرة الطيران، وقال الناس حينها السماء هي مملكة الطيور لماذا يريد الإنسان أن ينافس الطير في مجاله. فكرة غريبة حقًا غير قابلة للتصديق لكنها أصبحت واقعًا.

الحقيقة إن كل فكرة تراود مخيلة الإنسان هي قابلة للتطبيق مهما بدت مستحيلة. ويقول عالم الفيزياء ألبرت آينشتاين "الخيال أهم من المعرفة". وهو ما يعني أن أفكار الإنسان وخياله أهم بكثير من معرفته الحالية للأشياء؛ لأن الخيال وما يولده من أفكار يبحران بالإنسان إلى عوالم جديدة غير مكتشفة بعد، بينما المعرفة محدودة بالواقع الحالي.

قد يقول قائل نحن لا نحتاج إلى الأفكار؛ فالأفكار لدينا كثيرة. نحن نحتاج إلى أفعال. وهذا القول بحد ذاته قاتل للأفكار؛ لأن من لا يهتم بالأفكار فإنه لن يهتم كذلك بالأفعال، فالأفكار والأفعال مكملان لبعضهما البعض، ولا يمكن أن يكون هناك فعل دون أن تسبقه فكرة. ومن لا يرغب أن يستمع للأفكار فهو قاتل للأفكار. في المقابل من يشجع الأفكار لا يمكن أن يقول ذلك عن الأفكار، ومن يؤمن بتحويل الأفكار إلى واقع يحترم الأفكار، يشجع على التفكير، يتابع، يستمع، يبحث عن الأفكار في كل مكان. هناك دول لديها فرق تجوب العالم للبحث عن كل ما هو جديد وتستفيد من تجارب الغير وأفكارهم.

احذروا قاتلي الأفكار، فعندما تخطر للإنسان فكرة وقبل أن يعرضها على شخص ما عليه أن يسأل نفسه: هل هو شخص مشجع وداعم للأفكار؟ هل لديه خبرة وتجارب سابقة حول الموضوع؟ فاحتمال قتل الفكرة وارد إذا عرضت على الشخص أو الأشخاص غير المناسبين. كثير من الدول تكبد خسائر جسيمة وبالمليارات؛ لأنها لا تعطي الأفكار حقها من الاهتمام والرعاية. ومعظم الأفكار والمشاريع تحبط من قبل لجان غير متخصصة أو من قبل أشخاص لديهم نظرة سلبية تجاه المستقبل.

ما يبشر بالخير أن بحر الأفكار كبير لا ينضب وفي هذا البلد العزيز هناك عقول كثيرة في أطياف ومجالات مختلفة حباها الله بالكثير من الأفكار النيرة، تحتاج إلى من يستمع إليها .

وفي المقال المقبل- إن شاء الله تعالى- سأستعرض إحدى هذه الأفكار؛ وهي عبارة عن مقترح لتبني الأفكار، والاهتمام بها وتطويرها بما يعود بالنفع والخير على هذا الوطن الغالي.

تعليق عبر الفيس بوك