حتى لا يكون السقوط مدويًا (2)

 

أحمد بن خلفان الزعابي

zaabi2006@hotmail.com

 

الأهمية البالغة تدعونا لإكمال مقالنا من حيث توقفنا عند الجزء الأول منه، والذي تحدثنا خلاله عن أهمية دراسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع، ولقد قلنا إنها تعد خارطة طريق لصاحب المشروع، ويعتبر فهم رائد العمل لمشروعه جيدًا، وتمكنه من تحليل بيانات دراسة الجدوى والالتزام بها وتطوير خطة العمل وفقًا لمقتضيات التشغيل أحد أسباب النجاح والسير بخطى ثابتة إلى الأمام.

ويأتي اختيار موقع إقامة المشروع خاصةً إن كان تجاريا أو خدميا في منطقة ذات أهمية كجزء من التسويق مع مراعاة أن تكون قيمة الإيجار ضمن ما هو مخطط لهُ في الدراسة المالية حتى لا يتآكل رأس المال التشغيلي. وتأتي المرحلة المُهمة من دراسة الجدوى التي تـتمثل في الدراسة المالية وما تتضمنهُ من قوائم حسابات مالية وأجور ونفقات وإيرادات وحسابات أرباح وخسائر للعام الأول وللأربعة أعوام القادمة؛ حيث يتوجب على رائد العمل مناقشة الخبير؛ معدّ الدراسة في تفاصيل الإيرادات والنفقات المتوقعة وكذلك حجم صافي الأرباح والمصاريف التشغيلية لعام كامل وعليه مناقشة الخبير في الاستراتيجية التي اتبعها في إعداد الحسابات والخسائر، وماهية القيود المحاسبية، وإغلاق السنة المالية، والوقوف على نتائج السنة الأولى ثم باقي السنوات الأربع التالية، وذلك حتى يقف رائد العمل على الخطة المالية لإدارة مشروعه خلال ال5 سنوات الأولى من عمر المشروع.

ويعدّ التخطيط المسبق كالمصباح الذي ينير الطرق المظلمة لرائد العمل، وحتى إن أثبتت دراسة الجدوى تنفيذ المشروع، لكنه يبقى على رائد العمل ضرورة الوقوف على تفاصيل دراسة السوق ومناقشة الخبير في حجم السوق المتوقع، وهل هو موجود بالفعل أو نظريًا فقط؟ وما نوع البيانات التي اعتمدها عند دراسته للسوق وما هي مصادرها ودرجة موثوقيتها؟ وهل هي بيانات من مواقع حكومية رسمية كالمركز الوطني للإحصاء والمعلومات أو تخمين فقط؟ وما نسبة المشروع من الحصة السوقية (Market Share)؟ وهناك نماذج رياضية لقياس حجم السوق يعرفها المختصون، ويساعد معرفة حجم السوق في اطلاع رائد العمل على حجم الإيرادات المتوقعة وتحديد الأدوات الصحيحة اللازمة لزيادة الحصة السوقية. والأهم من ذلك هو اتخاذ القرار؛ إما بالبدء في إجراءات تقديم طلب الحصول على الدعم، أو التخلي عن فكرة المشروع والعدول عنها.

أيها القارئ الكريم.. قد تسأل: لماذا كل هذه التفاصيل؟ فوجود مؤسسة حكومية مختصة كهيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كافٍ؛ سواء لمتابعة التنفيذ أو تقديم الاستشارات لمشروع ممول من صاحبه في الأصل أو ممول عن طريق الهيئة أو بنك التنمية العُماني على سبيل المثال، ولكن دعني أقول لك- عزيزي القارئ- إنه يجب على رائد العمل فهم مشروعه بكافة تفاصيله، حتى يتمكن من معرفة كافة أوصال العمل بمختلف مراحله، وحتى يتمكن من تطويره والتوسع مستقبلًا، ولكي لا يأتي اليوم الذي قد يندم بأنه فكر وقرر في الدخول في مجال ريادة الأعمال؛ فالكل يعرف كم من المشاريع التي أطلقها أصحابها وحققت نجاحًا باهرًا في البداية ثم اتجه أصحابها نحو منطقة الراحة أو سارعوا في التوسع غير المدروس لقصد زيادة الحصة السوقية مما أثّر على الأداء المالي وانعكس ذلك سلبًا على المشروع برمته.

كم شاهدنا من مشاريع أطلقها أصحابها وأغلقت أبوابها بعد فترة وجيزة أو نجحت نجاحًا باهرًا ثم توسعت بسرعة وقامت بفتح الفروع، ثم ما لبثت أن أغلقت أبوابها!!

لذلك من المهم جدًا لرائد العمل الوقوف على كافة خطوات ومراحل إعداد دراسة الجدوى لكي يتجنب الوقوع في الهلكة، وكم من الدعاوى القضائية في أروقة المحاكم بسبب مطالبات الدائنين لمشاريع كانت قائمة ثم فشلت. وها نحن هنا نتيح لرائد العمل الفرصة لنيل المعرفة؛ لكي يسير على خطة مدروسة ولا يتفاجأ بالمطبات والمفاجآت غير السارة أثناء تنفيذ المشروع، ناهيك عن دراسات الجدوى الغير واقعية والتي يتفاجأ بعض رواد الأعمال باختلاف نتائج الدراسة عن واقع السوق، كما أن مشاركة رائد العمل ومساهمته مع الخبير في إعداد دراسة الجدوى تكسبه الخبرة والمعارف التي سيحتاجها لاحقـًا خلال مرحلة تنفيذ المشروع.

ولا بُد لرائد العمل الذي سيطلق مشروعه أن يعمل على فتح حسابات تجارية على مختلف منصات التواصل الاجتماعي؛ فهناك حسابات شخصية وأخرى تجارية؛ والتجارية ذات جدوى كبيرة لرائد العمل، وتتيح له الانتشار في الأماكن التي يستهدفها من العالم، وتساعدهُ كثيرًا عند إطلاق خطته التسويقية كما تتيح له تتبع اهتمامات العملاء وإرسال العروض لهم بشكلٍ آلي وتتبع أماكن وجودهم وتعطي تقارير إحصائية متنوعة تفيد رائد العمل عند تحليل نتائجها ولا ضير من استعانة رائد العمل بمختصين في شأن تقديم الاستشارات وتحليل نتائج البيانات؛ حتى يتخذ القرارات وهو في حالة الوعي التام ويتمتع بالمعرفة الكاملة التي تـُمكنـّه ُمن اتخاذ القرار الصائب الذي سيعود عليه وعلى مشروعه بالنفع.

وحتى لا يكون السقوط مدويًا لا بُد لرائد العمل من الاستثمار في ذاته بالتعلم والاطلاع؛ لكي يكسب المعرفة التي بدورها ستساعده على اتخاذ القرار المناسب وفي الوقت المناسب.

واعلم عزيزي -رائد العمل- أنني خلال هذا المقال بجزأيهِ أوجزتُ لك معظم أسباب فشل المشاريع والطريقة التي أعتقد أنها صحيحة للتغلب على مسببات الفشل نحو النجاح بإذن الله.