كي لا نُشجّع العامل على الهرب!

 

 

حمد بن سالم العلوي

 

إنّ من دواعي سرور أي وطنيّ حُر، أن يرى الرزانة والثبات في قرارات حكومة بلاده، ولن يكون سعيدًا إذا رأها تتأثر وتستجيب بسهولة لآراء الكتّاب والصحفيين ومغردي تويتر، وذلك عندما يكتبون عن أي موضوع، إلا ما يهُم الوطن والمواطن، وهنا هم لا يفرضون رأيهم على الدولة، وإنما ينقلون بعضًا من المشاكل التي تهم الرأي العام، وهم لا يريدون بذلك تصويب خُطط الحكومة وسياستها العامة، ولكن ينقلون- وبأمانة مجردة- هواجس المجتمع، وتذمره من بعض المواقف والقرارات، فإن وُجد في الذي طرح شيء من الصواب، فإن الحق أولى أن يُتّبع، ولا غضاضة في الرجوع عن الخطأ، لأن خير الخطائين التوابون.

وهنا لا أبدي إلحاحًا ككاتب عمود أسبوعي، لِما أوردته في مقالتي للأسبوع الماضي بعنوان "متى تحل مشكلة هروب العمال" وإن كانت قضية مهمة وطال أمدها، ولا نرى بوادر لحلها أو حتى الاهتمام بها، وكأنه ينظر إلى المواطن بأنه أجرم عندما استقدم عمالة لتقديم عملٍ ما، لا يزال غير متقبلٍ من المواطن، وحتى وإن قبله البعض فرب العمل لا يستطيع أن يُعطي الراتب المناسب الذي يغطي ضروريات المواطن العُماني، إلا لو كان هناك دعمًا للراتب من الدولة، فعلى سبيل المثال؛ الذي يحصل على راتب من القطاع الخاص (200) ريال، تقوم الحكومة بدعم الراتب بـ150 ريالا، وهكذا دواليك حتى يستقر الراتب عند الحد المرسوم له بالترقي الدوري، وحسب ما يُقدّم هو من جهود ونشاط في عمله.

إذن؛ سيظل الوافد ضرورة لا غنى عنها، حتى سنوات قادمة، وحتى يدرك الجميع أن العمل فضيلة. وكي لا نشجع الوافدين على الهروب من العمل، فلا بُد من أن يتحملوا مسؤوليتهم القانونية والأدبية، وذلك تجاه العقد المبرم بينهم ورب العمل، وإلاّ فما معنى هذا العقد، إن لم تكن له قيمة قانونية وشرعية، وإن تحميل كل المسؤولية على عاتق رب العمل، لأمر مغرٍ ومشجع لهرب الوافد، أكان عاملًا في الأعمال المختلفة أو عاملة منزل، وهذا برغم تحمل رب العمل تكاليف استقدام العاملين، وذلك من أجل أن يعملوا لديه لمدة عامين كاملين، وحتى هذين العامين ليسا كاملين؛ لأنهما يكونان كلهما عملًا خالصًا وجادًا، وإنما أحدهما للتدريب على رأس العمل، وذلك حتى يتقن العامل المهنة، فالمعلوم بحكم التجربة، أن كل عامل يقدم إلى السلطنة، يأتي في أحيان كثيرة (بغمة) لا يعرف رأسه من كرياسه، وذلك برغم العبارة التي لقّن إياها وهي؛ (كله فيه معلوم) هذا إلا إذا سبق له الخدمة من قبل في أي بلد من بلدان المنطقة، وقد كسّر وخسَّر الكفيل السابق حتى يجيد جزءًا من الصنعة التي قدم من أجلها.

ونكرر القول إن الوافد يتشجّع على ترك مكان العمل، لأنه أصبح ضامنًا أن لا شيء عليه، فإذا قرر السفر هو وبمحض إرادته الحرة، بعدما يكون قد سرح ومرح في البلاد طولًا وعرضًا، فإنه يذهب ويسلم نفسه إلى الجهات الحكومية المسؤولة عن ترحيله، فيكفيه أن يتسلح بعبارة واحدة وهي "ما فيه معلوم" وهذه على عكس العبارة الأولى التي خدع بها (الأرباب) في أول مرة بقوله: (كله فيه معلوم) وتلك هي سلاحه الأمضى للمغادرة بأمان، عندما يُسأل أين كنت تعمل خلال السنوات الماضية؟ فبعدما يكون أرسل كل تحويشة العمل الحر إلى بلاده، ولكن يظل عنده شيء واحد معلوم ألا وهو الأرباب الذي جلبه أول مرة، فتسرع الجهة المسؤولة للاتصال بالكفيل، فيقال له أحضر جواز سفر العامل الهارب "حالًا ودون إبطاء" هذا إن هو- نسي أخذ جوازه معه- قبل هروبه، ولأنه من المؤكد قد دفع هذا الكفيل- المغضوب عليه- تذكرة السفر، وقد حجزت قيمتها يوم أتى للإبلاغ عن هروب العامل أو العاملة، وإذا- قدر الله- وكان الأرباب قد توفي إلى رحمة الله، فإنه يُخلّف تلك التركة الخاصة بالعامل إلى الورثة.

لذلك؛ يجب أن يُجرى التحقيق مع هذا الوافد الهارب، وبطريقة جادة وموضوعية وحاسمة، وأن يُحجز خلال فترة التحقيق، وأن يدفع غرامة تغطي مصاريف حجزه، هذا على أقل القليل، وكذلك يُجبر على توفير قيمة تذكرة سفره، وكما يتوجب الرجوع إلى بلاغ الهروب فربما تضمن شكوى كذلك، وهذا أمر سهل في زمن الرصد بواسطة الحاسب الآلي، فإن كان عليه مطالبات للكفيل الذي استقدمه، فعليه أن يدفعها بطريقة الصلح، أو أن يُرفع الأمر وبما عليه إلى القضاء، وذلك لكي تنظر المحكمة المختصة في الأمر، وهنا تبرز ضرورة إنشاء محكمة خاصة بالأمور العمالية المستعجلة، وبذلك لن يكون هناك بطء في التقاضي بين الطرفين.

هنا سيشعر المواطن والوافد، أن للعقود والمواثيق قيمة شرعية، لكن أن يُترك الحبل على الغارب كما هو الحال اليوم، فلا اطمئنان لثبات العمالة الوافدة لدى مستقدِمها، وإن كانت وزارة العمل تريد أن تأخذ الكافة بجريرة البعض، فهذا عجز وليس فيه عدل، والنَّاس تتكلم عن أناس يأتون بعمالة وافدة، وبمجرد دخولهم البلاد تُطلق أيديهم، ويعطون حريتهم، وآخر كل شهر يأتون بالمقسوم إلى الأرباب، وهؤلاء يمثلون الصنف ممن يعملون في الاتجار بالبشر، ولدينا تشريع في السلطنة يجرم هذا التصرف، ومثل هؤلاء من السهل كشفهم، خاصة وأنهم كلما أتوا بدفعة، وجدتهم يسارعون في الإبلاغ عن هروبهم، وهذا مؤشر يمكن كشفه من خلال الإحصاء الدوري للبلاغات، هذا إن كان لكم اهتمام بحل مشكلة هروب الوافدين.. وما يزال هناك أحاديث كثيرة في شأن العمالة الوافدة.