سياسة "تطفيش المواطن"

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

متى سيفهم بعض الموظفين في الوزارات الخدمية أن الوظيفة تكليف ومسؤولية وليست تشريفاً ووجاهة؟ ومتى سيتعلمون الدرس من أخطائهم التي تراكمت على مر الأيام والدهور، وأنهم مؤتمنون على مصالح الناس وخدم لهم في وظيفتهم وليسوا أسيادا عليهم؟..ومتى ينتهي هذا الاستهتار بأوقات ومصالح الآخرين في كثير من المؤسسات الحكومية؟..ومتى سيعي الموظفون أن الدولة تتجه إلى تغيير شامل وجوهري في كل مناحي الحياة، وأن عليهم دور مهم في هذا التغيير شاءوا أم أبوا، عاجلًا أم آجلًا؟

هذه الأسئلة أطرحها ويطرحها الكثير من المراجعين في بعض المؤسسات الخدمية التي عليها واجب ومسؤولية التغلب على الطالع البيروقراطي الذي غلب عليها لفترة طويلة؛ فالمعاملة التي يمكن إنجازها خلال ساعة واحدة، أو يوم عمل واحد على أكثر تقدير تُنجز على مدى أشهر وأحيانا سنوات! والمعاملة التي لا يتطلب تحويلها إلى جهة أخرى مقابلة لمكتب الموظف، إلا كبسة زر تظل نائمة في درج الموظف لأيام أو أشهر، وعبارة: "روح اليوم، تعال باكر" ما تزال المهيمنة على رؤوس بعض الموظفين، "وباكر" بالنسبة للموظف عبارة مطاطة تعني "المستقبل" المطلق بكل أبعاده، وأيامه، وجملة: "المعاملة ضائعة، جيب غيرها" أصبحت شائعة دون ضمير يؤنِّب، ولا مسؤول يُحاسِب، ودون أدنى إحساس بالمسؤولية بضياع وقت وجهد المراجع. والتقارير السلبية عن معاملات المواطنين التي تؤدي لرفض الطلب تعشش في مخيلة الموظف، لدرجة أنه لا يقرأ تفاصيل المعاملة بعين المؤتمن على أمر الناس، وإنما يقرأ بعين المعرقِل لمصالحهم، بأي شكل، ولأي سبب، وإياك ثم إياك أن تلح على الموظف، وإلّا فإنَّ مصير معاملتك التأخير لأجل غير معلوم، أو العرقلة لشيء غير مفهوم، أو الرفض لأي سبب تافه.

أما طلبات المُعاملة من وثائق ومستندات وإجراءات فإنها تأتي بالقطارة من فم الموظف، فبدلاً من طلب الأوراق والمستندات مرة واحدة، يتلذذ بعض الموظفين بتردد المواطن على المكاتب الحكومية وطلب كل ورقة على حدة في كل مرة، دون أن يقدّر هذا الموظف أن المراجع قد يكون من منطقة بعيدة أو أنه لا يملك حتى أجرة السيارة أو وقودها.

هذه العقليات التي تعيش في عالم من النرجسية والضياع لم يدر في ذهنها البسيط أنها أحد عوامل طرد الاستثمارات، وأحد أسباب تأخرنا في مجالات عدة، وأن عليها أن تفيق من غفوتها، وتبدأ في ممارسة الشعارات التي تطلقها الحكومة بين فترة وفترة من قبيل عبارات: "استثمر بسهولة، أو الحكومة المرنة، أو تسهيل الإجراءات، أو تخليص المعاملة خلال ساعة.." وغيرها من شعارات تنادي بها الحكومات، ويرفض تطبيقها الموظفون الذين يبحثون عن عرقلة المواطن بأي شكل، من باب سلطوي بحت، لا يمت للوظيفة وللأداء الحكومي الذي تتطلبه المرحلة بصلة.

إن الرقابة الإدارية على كل مسؤول وعلى كل موظف في المؤسسات الحكومية، خاصة في تلك الوزارات الخدمية أمر لا بد منه، ومحاسبة المتسبب في إهمال المعاملات، أو تأخيرها، أو عرقلة مواطن، أو التعسف في استخدام الوظيفة أمر لا مفر منه، لأنَّ ذلك سيشُعِر المواطن والمراجع بالأمان، وسيشُعِر الموظف أنه مراقَب ومحاسَب ولا مجال للتلاعب بأعصاب الناس، أو  الإهمال، أما أن يُترك الحبل على الغارب للموظفين الخدميين فذلك معناه مزيدا من التعقيدات، ومزيدا من التأخر عن ركب الدول الحديثة، إلى جانب فقدان الأموال التي قد تتدفق على البلاد، لو أن بيئة العمل والإنجاز كانتا تعملان بعقلية الانفتاح، والتيسير على المواطن والمستثمر، لا أن يتكالب عليه الأنظمة والموظفون لتضييع لجهده ووقته وماله.

وأخيرًا.. كلمة للموظف الحكومي الذي أمنّته الدولة أمر الناس، وأوكلت إليه إنجاز معاملاتهم والتيسير عليهم: "اتقِ الله في وطنك وأبناء وطنك؛ فما تزرعه اليوم ستحصد ثماره غدًا، وقد تكون أنت التالي ذات يوم".