الذاكرة لا تكفي

 

سارة البريكية

Sara_albreiki@hotmail.com

 

يحدث أحيانا أن نغير هواتفنا القديمة ونقتني هواتف أخرى حديثة وجديدة الطراز ليس لأننا لا نحب هواتفنا القديمة وليس من باب التغيير إنما لأن الذاكرة لا تكفي للمزيد ولأنَّ القديم أصبح قديما لا يستحمل بيانات أكبر وأنت من النوع الذي تحب أن تحتفظ بذكرياتك مهما كانت ومهما كان لكنك تبقى وفيا لأشيائك ومحافظ عليها لأبعد مدى وتعاملها معاملة الطفل الصغير المدلل وتهتم بها كهاتفك ونظارتك وسماعتك وسيارتك وأشيائك الأخرى.

وفي بعض الأحيان عندما تريد التبرع بشيء من هذه المقتنيات يعز عليك ذلك وتقول لا .. إنها لي وأخاف الآخرين أن لا يهتموا بها رغم أنها مجرد مقتنيات ليس لها روح ولا تحس ولا تشعر.

الحالة التي ندخل فيها في صراع مع ذواتنا وغيرة شديدة لحبنا لهذه الأشياء ليست بغريبة فالحب فطرة والغيرة فطرة والأنانية صفة ليست بغريبة على بني البشر والتصدي لكل تلك المشاعر ومجابهتها هو أمر ليس بالهين وهو أمر محمود فهيا بنا لمواجهة التحدي الصعب.

نمر في حياتنا بشخوص وشخصيات كثيرة وقد يطبع البعض له بصمة خاصة أما البعض الآخر فقد يمر مرور الكرام وقد يمر من أمامك بعد مضي وقت طويل وتقول في نفسك وكأنني أعرف ذلك الشخص وأحيانا تعرفه ولكن لا تعرف اسمه أو أين وكيف عرفته ومتى فالأشخاص مؤقتون والرفقاء مؤقتون ليس الجميع من يكون معك دائمًا هناك شخصيات تصادفها في طفولتك وهناك البعض قد يكونون مقربين لك في إحدى المراحل العمرية كأيام المدرسة لدرجة تظن بعدها أنكم لن تفترقوا أو لن يستغني أي أحد منكم عن الآخر وأيضًا معلموكم الذين لهم فضل كبير عليكم قد تمر السنون وتنساهم فلا يعقل لذاكرتك أن تتسع لكل هذا الكم الهائل من الشخصيات التي تمر ولا تضر وليس كل من مرَّ مرّ مرور الكرام فهناك شخصيات تطبع في مخيلتك للأبد كوجه زميلتي سمية التي تحدت مرض السرطان ولكنه هزمها وخديجة هي الأخرى كانت شعلة من العطاء وأيضا رحلت بمرض السرطان أجارنا الله وإياكم وشفى كل مريض منه اللهم آمين، رغم قلة السنوات التي جمعتنا ببعض والمواقف إلا أنهما لا تزالان في مساحات الذاكرة.

هذه الذاكرة تتحدث دائماً كوجه (أبو عبدالله) صاحب القلب الكبير والابتسامة العريضة كملامح شروق الشمس كجدتي نرجس وهي تحضر لنا حلويات قديمة كانت قد خبأتها لنا في دولابها القديم وكنَّا نسعد بها كوجه (خماس) و (العبري) الذي رحل في ليلة كنَّا بها نضحك كثيرا مع جدتي خديجة إنها جدتي وإخوتها خماس والعبري لا يزالون في أقصى مساحات هذا العقل ولكل شخص ذكريات مع أشخاص غادروا هذه الدنيا إذن ليست العبرة في مغادرة الحياة فهناك أشخاص لا زالوا على قيد الحياة ولكنهم ليسوا على قيد الذاكرة نسيناهم بانتهاء فترتهم المؤقتة معنا وكأننا نعيش أحداث فيلم سينمائي وهذه الذاكرة لا تتسع للجميع فمن كان له بصمته سيبقى مطبوعا في القلب والعقل والروح ومن كان يرافقنا لفترة من الزمن لن يكون باقيا هكذا بعض القلوب تنسى وتذكر ولكن يبقى العزيز ويذهب الغريب فتدور الدوائر وتمر السنون ونعود أطفالا من جديد لا نذكر من ما حدث شيئا فسبحان الله!

إنني أحب المحافظة على مقتنياتي مهما كان نوعها وسعرها ولا أحب التغيير بسهولة ولا تهزني رياح التغيير التي تهز أغلب الجيل الجديد الذي يغير مقتنياته سنويا من هواتف وسيارات وملابس أو حتى منازل والبعض الآخر قد يفعل الكثير لمواكبة التغيير فعند صدور نوع جديد من الهواتف أو السيارات أو حتى الملابس والمقتنيات الأخرى يهب سريعًا لها ليس لأنه يحب ولكن لكي لا يقال فلان قديم وفلان ليس عنده أحيانا ترى موظفا بسيطا يقتني هاتفا جديدا بحجم راتبه الشهري أو أكثر من ذلك وعندما تسأله لماذا يقول أنا لست بأقل من غيري وقد يدخل في دوامة الديون من أجل التباهي وهذا ما لا نتمنى أن نصل إليه.

ختامًا أقول.. فلنحافظ على ما تبقى من ذاكرتنا للجميل القادم إن شاء الله.