استقالة الدكتورة فتحية السدية.. ونزيف الكفاءات

 

سالم بن نجيم البادي

كان خبراستقالة الدكتورة فتحية السديّة صادمًا ومفاجأة غير متوقعة، وهي إدارية فذة كانت مصدر إلهام لكل من عرفها، والدكتورة فتحية حاصلة على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه من جامعة السلطان قابوس، وقد شغلت عدة وظائف في وزارة التربية والتعليم وكانت بداية عملها معلمة مادة تقنية المعلومات، ثم مشرفة تقنية المعلومات، وبعد ذلك انتقلت إلى دائرة تقنية المعلومات، ثم مديرة مكتب مستشار الوزارة، وبعدها شغلت منصب المدير العام المساعد لدائرة تقنية المعلومات، ثم المديرة العامة للمديرية العامة للتربية والتعليم في محافظة البريمي، حتى تم نقلها لتشغل منصب المديرة العامة للمديرية العامة للتربية الخاصة والتعليم المستمر.

سوف أتكلم في هذه العجالة عن تجربتها الإدارية عندما كانت تشغل منصب المديرة العامة للتربية في محافظة البريمي؛ حيث أحدثت تغيرا مذهلا في أسلوب الإدارة وأشعلت في المحافظة شعلة الحماس والنشاط والعمل الدؤوب المتواصل، وأقامت شبكة علاقات واسعة مع مؤسسات وشركات القطاع الخاص. استطاعت من خلالها الحصول على مبالغ مالية ساهمت في إنشاء مشاريع مختلفة مثل المظلات والحدائق والأجهزة الإلكترونية، والقاعات والعشرات من المشاريع التي أنجزتها في مدة قياسية وكلها مشاريع لخدمة الطلاب، وكانت تبقى في الدوام لساعات طويلة. وقد أوجدت بيئة محفزة للعمل بيئة تساعد على الدقة والسرعة في إنجاز المعاملات والتنافس من أجل الإبداع والعمل المتقن حتى خارج أوقات الدوام الرسمي، ومن أجل ذلك شكلت فرق عمل متفانية وتبنت عمل المسؤول في الميدان خلال الدوام الرسمي وفي غير الدوام الرسمي.

يقول أحد المحيطين بها أنها كانت تنفض الغبار عن الأجهزة وتقوم بإغلاق هذه الأجهزة في فترة إغلاق المدارس خلال الإجازات، وترتقي إلى أسطح مباني المدارس بنفسها حتى تتأكد من أن المياه لا تتسرب من خزانات المياه.

ويحكي مدير إحدى المدارس أنه تم تلبية جميع مطالب معظم المدارس؛ لدرجة أنه لم يكن لدينا مطالب لنخبر بها المديرة العامة على خلاف السائد من كثرة النواقص في المدارس، ومنها حاجة المدارس للصيانة ونقص كوادر التدريس، وارتفاع الأنصبة، وعدم وجود بعض الكتب والأثاث المدرسي.

الدكتورة فتحية منعت الضيافة والولائم وحتى القهوة لزوار المدارس من الوزارة والمديرية، وأسندت رعاية الإحتفالات في المدارس للمعلم أو الموظف المجيد تكريما وتحفيزا لهم، وقد حاربت الواسطة والمحسوبية، وساد مبدأ العدالة، واجتهدت لغرس مبدأ المواطنة في نفوس الطلاب وجميع العاملين في الحقل التربوي وعملت على خلق تنافس في الإنجاز بين الدوائر المختلفة.

لم تغفل الدكتورة فتحية عن جانب التحفيز والتكريم؛ فقد كانت تكرم المجيدين من الطلاب والمعلمين والموظفين وأولياء امور الطلاب، وكانت تنفق من مالها الخاص على التكريم، وتذهب للمدارس لتكريم الطلاب أو في الاحتفالات الرسمية وقد تستدعي بعض الطلاب إلى مكتبها من أجل أن تشجعهم بكلمات محفزة وتمنحهم هدايا قيمة. وكانت تحاسب الموظف الذي يقصر في أداء واجبه، وتتخذ الإجراءات القانونية المعتادة في قسم الشؤون القانونية، لكن هذا لا يعني أنها لم تكن متسامحة.

الذين يعرفون الدكتورة فتحية يدركون إخلاصها في عملها، وتفانيها في وطنيتها، واهتمامها البالغ بالموظفين والمعلمين والطلاب، وفي مبادرة نادرة -وفيها اعتراف بإنجازات الدكتورة فتحية- قامت ثلة من مديري المدارس في محافظة البريمي بتكريمها في مسقط بعد مدة من نقلها من البريمي.

غير أن استقالة الدكتورة فتحية المبكرة تثير التساؤلات عن أسباب الاستقالة، وهل يوجد بيننا من يحارب الطاقات المبدعة وأهل النجاح والتميز، أو يضع العراقيل في طريقها؟!

إن استقالة الدكتورة فتحية السديّة خسارة فادحة وينبغي استغلال خبرة الدكتورة فتحية وعدم التفريط فيها.

ويعلم ضحيّ أن هذا المقال المتواضع لا يكفي لتعداد إنجازات الدكتورة فتحية، مع الأمل بأن تقوم الدكتورة فتحية السدية بتوثيق تجربتها الإدارية الرائدة وتضعها بين دفتي كتاب ليستفاد منها في علم الادارة وفنّها.

وفي الختام.. تحية إجلال وتقدير واحترام للدكتورة فتحية السدية، مع التمنيات القلبية لها بالتوفيق والصحة والسعادة، وشكرًا جزيلًا لها.