"داعش" التي في داخلنا

 

تجفيف منابع فكر التطرف مهمة قومية

د. رفعت سيد أحمد

لدينا اعتقاد سبق وكتبنا عنه، وهو أن تنظيم "داعش" ليس فقط أحد تلك التنظيمات المسلحة والمتناثرة في بلاد الشام وسيناء المصرية وليبيا وبعض بلاد المغرب العربي، والتي انطلقت مع ما سُمي بـ"ثورات الربيع العربي" (2011)؛ حيث إننا نري أن الأخطر منها هي تلك التنظيمات والأحزاب والجمعيات التي تدَّعي "السلفية" والتي توفر عبر الفكر والفتاوي المتطرفة، البيئة الحاضنة والمفرّخة لداعش المسلحة، هؤلاء هم الأخطر وعلينا أن ننتبه لهم ونواجههم ونكشفهم مبكرا قبل أن يستفحلوا ويخلقوا في بلادنا أكثر من "داعش".

هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر يسيطرون في بلد مثل مصر على 9 آلاف مسجد و6 آلاف زاوية من إجمالى 130 ألف زاوية ومسجد في مصر، منهم 30 ألف غير مرخصة و20 ألف جمعية "خيرية" تصنع جنودًا من الحاملين لفكر الغلو، ويبثون فيها فكرهم وعقيدتهم المخالفة لعقيدة الإسلام الصحيح، إسلام النبى محمد، إسلام الأزهر والصحابة رضوان الله عليهم جميعًا، إذا علمنا ذلك فوجب علينا أن نتحسس رؤوسنا ونطالب فورًا بإعادة النظر، والرقابة، والانتباه الديني قبل الأمني.

وعندما نعلم أن تلك التيارات السلفية المتشددة تتلقى من بعض الدول النفطية، أموالًا اقتربت خلال الـ 25 عامًا الماضية فقط من حيز 46 مليار دولار لنشر فكرهم الشاذ، ودعوتهم المخالفة لروح الإسلام، والعصر.. فإن علينا أن نذهب فورًا إلى تجفيف المنابع المالية، فالدم يأتي مخلوطًا بالدولار!

عندما يعتبر هذا التيار أن مجرد إلقاء التحية والسلام على المسيحي أو تهنئته كفرًا وعصيانًا، فإن علينا أن ننتبه ونعيد النظر في مجمل علاقة الدولة والأجهزة الأمنية بهذا التيار وذلك الغزل الذي استمر معه طيلة نصف قرن مضى ربما مكايدة قصيرة النظر والفكر لقوى سياسية أخري.

وعندما نعلم أن لهذة التيارات السلفية المتشددة مصريا وعربيا حوالي 40 فضائية تبث أفكارها الشاذة المخالفة لوسطية الإسلام والداعية لتكفير أتباع المذاهب الإسلامية من السنة والشيعة وتكفير الأشاعرة (مذهب الأزهر الشريف).

لكل هذه الاعتبارات فإن ناقوس الخطر الذى أطلقته، أحداث العنف والإرهاب الداعشي الجديدة في عام 2022 داخل مصر وفي سوريا، ينبغى أن يكون قويًا ومنذرًا بالقدر الكافي، وأن يساعدنا على فتح الملفات المسكوت عنها.. والإشارة إلى فتاويهم الأخرى الخطيرة.

إنَّ الأمر لم يعد يحتمل أن نصمت أكثر من هذا، فمع كل صباح، يتصدر المشهد الإسلامي، فتوى للتكفير، أو للتحريم والتفسيق تصدرها تلك المؤسسات السلفية المتشددة، في محاولة منها لخطف الإسلام وتشويهه وكأنها بالفعل ينطبق عليها تلك العبارة البليغة التي قالها ذات يوم العالم الإسلامي الراحل الشيخ محمد الغزالي "كأن الدين الذي يدعو إليه هؤلاء البدو دين آخر غير دين الإسلام الذي نعرفه ونعتز به". هذه العبارة في تقديرنا تلخص حال السلفية المتشددة اليوم تجاه الإسلام وقضاياه وتجاه الأمة الإسلامية وهمومها المتفجرة، إن السلفية – وفقًا لعبارة الغزالي ووفقًا لما يُقدمه دعاة هذه السلفية من فتاوى شاذة وغربية – تطرح على علماء الأمة، هذا السؤال الذي بات يحتاج إلى إجابة: هل "السلفية الراهنة" بأفكارها وفتاويها قد أصبحت دينًا آخر غير دين الإسلام الذي تنسب نفسها إليه زورًا وبهتانًا؟

إن المتأمل فى النماذج التي سنقدمها من أفكار وفتاوى تلك القوى الداعشية المتشددة سوف يخرج بحقيقة هامة وهي أن هؤلاء الوعاظ (لأنهم فى الواقع لا ينسحب عليهم لفظ شيوخ فهو أرقى وأجل) قد أتوا بأفكار ودعاوى لا علاقة للإسلام المحمدي الطاهر المنزه بها، ودعونا نقف أمام نماذج من أفكارهم ومن الأحاديث الشاذة التي ينسبونها للرسول الكريم وهو لم يقلها، ليكونوا من خلال كل هذا ما يشبه (النظرية الداعشية القاتلة) تلك التي تلوثت أيديها بدماء الأبرياء!!

أولًا: لأحد شيوخهم في دولة خارجية كتاب مهم وغريب عن (أهمية تعدد الزوجات) وقد قدم له بمقدمة ضافية وتقريزية (الشيخ) أبوبكر الجزائري و(الشيخ) علي بن محمد بن سنان من كبار العلماء (وطبعًا لا هم علماء ولا يحزنون إنهم مجرد وعاظ للسلاطين وللمستعمرين!) كما يطلقون على أنفسهم. في هذا الكتيب يزعمون الآتي:

- أن تعدد الزوجات هو الأصل فى الإسلام وليس مجرد رخصة ومن كان قادرًا ماليًا وصحيًا على التعدد ولم يفعل فهو عاصٍ لله وللرسول.

- إن تعدد الزوجات يعينه على غض البصر وعفة الفرج عن الحرام.

- إن التعدد يغنيه عن الخادمات ومشاكلهن الاجتماعية والاقتصادية.

- إنه وسيلة لكثرة النسل وزيادة عدد المسلمين وقوتهم.

- إن جميع مشاكل التعدد تحل بحزم الزوج وشدته وصلابته (وضرب الزوجة مطلوب).

- إن المرأة التي ترفض أن يتزوج زوجها عليها عاصية لله والرسول.

- إن المرأة عرضة للحيض والنفاس فلابد من بديلة حتى لا ينحرف الأزواج. (هذه الأفكار في رأينا تخالف الإسلام الصحيح مخالفة قاطعة ولقد أوردناها هنا لكي ندلل علي شذوذ هذا الفكر وتطرفه).

ثانيًا: موقفهم من كراهية الاحتفال بمولد الرسول وأعياد الميلاد:

إن الدواعش الذين في داخلنا يعتبرون الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، معصية وكفرا، وأن الصوفية بكافة طرقها وأتباعها (كافرة) لأنها تحتفل بالمولد النبوي الشريف، أما حجتهم فى ذلك.. أن الاحتفال بمولد الرسول لابد وأن تحدث فيه منكرات مثل التصوير ومثل الموسيقى والغناء والعزف على المعازف وغيرها من الترهات التي لا توجد إلا في عقولهم المريضة والمسكونة فقط (بفقه التحريم).

* راجع الكتيب السلفي (الدروس المهمة لعامة الأمة)، وكتاب (التحذير من المغالاة في المهور والإسراف في حفلات الزواج والحج والطهور).

ثالثًا: وإذا أضفنا لما سبق قيامهم بتقديم ونشر الأحاديث الشاذة عن الرسول، بهدف تشويه الإسلام فإن الأمر يصبح بمثابة مشكلة كبيرة لأن الرسول يقول "من كذب علىّ فليتبوأ مقعده من النار" حديث شريف، ومن أمثلة افترائهم عليه (صلى الله عليه وسلم):

1 – حديث (لا تسلموا على اليهود أو النصارى وإذا لا قيتموهم فاضطروهم إلى أضيق الطريق) وهو حديث مكذوب وموضوع بهدف الفتنة!!

2 – حديث (لا أفلح قوم ولوا أمورهم امرأة) وهو حديث موضوع وهدفه عزل المرأة المسلمة عن الحياة والعمل حتى يضعف المسلمون!

3 – أحاديث السحر وسحر الرسول.. كلها موضوعة حتى ينشروا الدجل والشعوذة بين المسلمين وبه إهانة للرسول الكريم.

4 – أحاديث أن الفنون الجميلة حرام والغناء والموسيقى حرام وهي أحاديث موضوعة وتهدف إلى قتل المشاعر النبيلة والجميلة لدى المسلم!

5 – أحاديث أن الصورة والتمثال حرام والخلط بين الأصنام والصور التي كانت تعبد في الجاهلية وبين الفنون الجميلة المعاصرة التي تربي المشاعر الراقية بين الناس!

6 – حديث (إن المسلم يدخل الجنة وإن سرق وإن زنى) حديث موضوع ويهدف إلى نشر السرقة والزنى بين شباب المسلمين!

7 – حديث (إرضاع الكبير) يهدف إلى تحقير المرأة المسلمة ونشر الفحشاء والزنى!

8 – حديث (إن المسلم لا يدخل الجنة بعمله) يهدف إلى نشر التواكل وقتل المروءة والنجدة بين المسلمين.

9– أحاديث الذباب والبراغيث والقمل كلها مدسوسة من الفكر المتخلف!

وغيرها من الأحاديث الموضوعة والشاذة التي تسيئ للرسول وللإسلام وننصح هنا بالإطلاع على كتاب "أحاديث موضوعة فى كتب التراث" الناشر: أخبار اليوم- مكتبة مدبولي، للمفكر الإسلامي الراحل الدكتور أحمد شوقي الفنجري عليه رحمة الله.

خلاصة القول.. هنا وبعد سنوات عشر (2011 -2022) من ظهور داعش المسلحة في سوريا وشمال سيناء، نحذر أن ثمة داعش ما زالت داخلنا وما زالت تتحرك بحرية وما زالت تعاملها بعض الحكومات العربية باحترام وربما بجهل كامل عن فتاويها وفضائياتها ومساجدها، وآن لتلك الحكومات أن تنتبه وأن تدرك أن تجفيف منابع الفكر المتطرف لا يقل أهمية؛ بل ربما يزيد في هذه المرحلة عن المواجهة بالسلاح مع الدواعش المجرمين.

والله أعلى وأعلم.