مؤسسات المجتمع المدني.. تحدياتها ومقترحات التطوير

 

 

علي بن خلفان بن حميد الخايفي

 

يأتي مفهوم المجتمع المدني بمسميات متنوعة، كمسمى المنظمات غير الحكومية أو غير الرسمية، أو مؤسسات القطاع الخيري والتطوعي، أو جمعيات النفع العام، أو الجمعيات الأهلية، ويعرف بأنه "كل المؤسسات التي تتيح للأفراد التمكن من المنافع العامة دون تدخل أو توسط من الحكومة" (1).

ويُعرِّف  البنكُ الدوليّ المجتمع المدني بأنّه عدد من المُنظَّمات غير الحكوميّة، تقوم على أساس غير ربحي، وتهدف إلى النهوض بالاهتمامات، والقِيَم الخاصّة بالأشخاص المُنضَمِّين إليها، وتكون مُعتمِدة على أُسُس أخلاقيّة، أو خيريّة، أو دينيّة، أو علميّة، أو ثقافيّة؛ حيث تظهرُ أعمالها من خلال مقدرة أعضائها وإمكانيّاتهم، كما تتميّز هذه المُؤسَّسات بأنّها بعيدة عن السياسة، ومُستقِلّة تماماً عن السُّلطات الحكوميّة (2).

وقد عرفت سلطنة عُمان مؤسسات المجتمع المدني قديمًا في بعض التجمعات المتمثلة في المجالس العامة والمساجد، وفي أعمال الوقف، ولجان الزكاة، وتسيير نظم الري التقليدية للأفلاج، وتعاضد أصحاب المهن والحرف كمواسم الحصاد والصيد، سعيًا إلى التكامل والتكاتف بين أفراد المجتمع في شتى المجالات وفي أوقات المناسبات والأزمات.

ولم تظهر في عُمان مؤسسات المجتمع المدني بصورتها الحديثة والمنظمة، إلّا بعد عام 1970 بتولي السلطان قابوس بن سعيد- رحمه الله- الحكم في عُمان، وتأسيس دولة المؤسسات والقانون؛ حيث أنشئت وزارة التنمية الاجتماعية، وهي المؤسسة المعنية بالقطاع الاجتماعي عامة، ودائرة الجمعيات وأندية الجاليات المعنية بالجمعيات التطوعية خاصة. وقد صدر في يناير 1972 أول تشريع منظم للعمل المدني تمثل في قانون الأندية والجمعيات، وفي ذات العام تأسست أول جمعية تطوعية في المجتمع العُماني، وهي جمعية المرأة العُمانية في مسقط، ثم أخذت هذه المؤسسات على تنوعها بالتوسع والانتشار، وفي نوفمبر 1996 تم اعتماد النظام الأساسي للدولة والذي تضمن مادة خاصة بالجمعيات التطوعية وهي المادة رقم (33) التي نصت على: "حرية تكوين الجمعيات على أسس وطنية ولأهداف مشروعية وبوسائل سلمية وبما لا يتعارض مع نصوص وأهداف النظام الأساسي مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، ويحظر إنشاء جمعيات يكون نشاطها معادياً لنظام المجتمع أو سريا أو ذا طابع عسكري"، وفي عام 2000 صدر قانون الجمعيات الأهلية (14/2000)، وصدور القرار الوزاري (149/2000) الخاص بإشهار الجمعيات المهنية؛ حيث تم إشهار الجمعية الجيولوجية العُمانية كأول جمعية مهنية بقرار وزاري رقم 75/2001 (3).

واتسم العمل المدني في المجتمع العُماني بعد عام 1970م بالتنظيم الإداري القانوني، وزيادة أعداد جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، وتنوع مجالاتها، وارتفاع عدد أعضائها، وانتقاله من كونه قطاعا خيريا إلى أن يصبح قطاعا تنمويا يسهم في التنمية الشاملة للمجتمع مع احتفاظ المجتمع العُماني بممارساته التطوعية القديمة المرتبطة بثقافته الدينية وبالأعراف والعادات والتقاليد.

تحديات العمل التطوعي في المجتمع العُماني

ومع الجهود المبذولة من قبل الحكومة في سلطنة عمان في تنظيم وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني العمانية إلا أنها ما زالت تعاني من مجموعة من التحديات بحكم أنه لا يزال قطاعا حديثا وفي طور النمو والتكوين.

وبقراءة نتائج بعض البحوث والدراسات العمانية التي تناولت هذا الموضوع يمكن الخروج بمجموعة من التحديات (4)، منها تحديات مرتبطة بضعف انتشار ثقافة العمل التطوعي المنظم بين أبناء المجمع، وعدم المعرفة بالمجالات التي يمكن التطوع بها، فضلا عن الحاجة لتعديل القانون المنظم للجمعيات الأهلية بناء على معطيات الواقع وقلة الدعم المالي للمؤسسات التطوعية من قبل شركات القطاع الخاص بالإضافة إلى الحاجة إلى مناهج تربوية في هذا المجال لتربية النشء وأفراد المجتمع على ثقافة العمل التطوعي، ومحدودية قدرة مؤسسات المجتمع المدني على لعب دور الوسيط بين المجتمع والحكومة بحكم أن المجتمع لا يزال مقتنعاً إلى حد كبير بالدور الذي تقوم به الحكومة، كذلك ضعف تأهيل الموارد البشرية في هذه المؤسسات للقيام بدورها في العمل التطوعي، وبما أن للإعلام دور مهم ورئيسي في الترويج لمؤسسات المجتمع المدني لذا فإن غياب أو محدودية دوره في دعم أنشطتها يشكل عائقا أمام تطورها ويظل الجهد محصورا في إطار تلك المؤسسات، ومن التحديات تشتت الجهود التطوعية بسبب عدم وجود التشبيك بين المؤسسات التطوعية لتطوير التعاون بينها والعمل الجماعي وتعزيز مفاهيم وآليات المشاركة في اتخاذ القرار والتعاون لمواجهة الأخطار والتحديدات وتنمية المهارات وبناء القدرات والتدريب واكتشاف القدرات الجديدة.

وللنهوض بمؤسسات المجتمع المدني لتطوير عملها ومواجهة التحديات التي تقف في طريق قيامها بدورها، نقترح ما يأتي:

  1. مراجعة القوانين المنظمة لإنشاء وعمل مؤسسات المجتمع المدني بما يضمن حريتها واستقلاليتها ومساهمتها الفاعلة في تنمية وتطوير المجتمع.
  2. نشر ثقافة العمل التطوعي بين طلبة المدارس من خلال وحدات مقررة، وتشكيل فرق عمل مدرسية مصغرة يوكل إليها تنفيذ بعض الأعمال التطوعية داخل المدرسة وخارجها.
  3. اعتماد برنامج العمل التطوعي كمقرر دراسي اختياري في الجامعات والكليات الحكومية والخاصة.
  4. تنظيم لقاءات مستمرة بين مؤسسات المجتمع المدني لمنع التداخل في أهدافها وبرامج عملها، بما يُحقق شمولية الاستفادة منها على مستوى جميع مجالات تنمية وتطوير المجتمع
  5. تشجيع القطاع الخاص وفرض نسبة معينة من أرباحه السنوية في دعم مؤسسات المجتمع المدني والتزاماتها الإدارية والمادية.
  6. تكوين لجنة أو فريق عمل مختص من قبل الحكومة لمتابعة أعمال مؤسسات المجتمع المدني، وتسهيل العقبات التي تواجهها، واقتراح أوجه الدعم التي تحتاجها.
  7. الاستفادة من المعونات الدولية في تنفيذ بعض البرامج والأنشطة التطوعية .
  8. قيام الحكومة بتوفير البنية التحتية لأي مؤسسة مجتمع مدني يتم اعتمادها (أرض لبناء مقر المؤسسة – المساعدة المادية في بناء المقر، وتوفير احتياجاته التشغيلية)
  9. سن إجراءات وضوابط محاسبية واضحة لمتابعة موارد مؤسسات المجتمع المدني وآليات صرفها وتوزيعها.
  1. مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في رسم السياسة العامة لتنمية وتطوير المجتمع، ومراجعة القوانين.
  2. إعادة النظر في نظام العمل الحكومي والخاص بالنسبة للمشاركين في مؤسسات المجتمع المدني، بحيث يتضمن إجازات جزئية، ليتمكن الشباب من المشاركة في الأعمال التطوعية، واحتساب مشاركتهم ضمن متطلبات الترقية والعلاوات التحفيزية.
  3. مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في رسم السياسة العامة لتنمية وتطوير المجتمع، ومراجعة القوانين.
  4. إنشاء قاعدة بيانات وطنية لقطاع التطوع، تستفيد منها مؤسسات المجتمع المدني في تقديم برامج وخدمات التطوع.
  5. تشجيع القطاع الخاص للقيام بمسؤولياته الاجتماعية في دعم مؤسسات المجتمع المدني وبرامجها المختلفة.
  6. الاستفادة من تجارب مؤسسات المجتمع المدني الدولية في تطوير المؤسسات المحلية، وتجويد برامج عملها وتنويعها.

********************

المراجع

  1. العلوي، سعيد بلسعيد (1997) المجتمع المدني في الوطن العربي ودوره في تحقيق الديمقراطية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ص 79
  2. مصطفى عطية جمعة (1/10/2016)، "تعريف المجتمع المدني"، www.alukah.net.
  3. وزارة التنمية الاجتماعية، المديرية العامة للتخطيط والدراسات (2020) دور جائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي في تفعيل العمل التطوعي بسلطنة عمان، سلسلة الدراسات الاجتماعية (19)
  4. من تلك الدراسات التي تم قراءة نتائجها:
  • الحارثية، أسماء بنت سعيد (2016) مؤسسات العمل التطوعي وتوزيعها الجغرافي في سلطنة عمان، رسالة ماجستير (غير منشورة) جامعة السلطان قابوس، سلطنة عمان.
  • الحوسنية، أميرة بنت سعيد (2015) العائد الاجتماعي للعمل التطوعي في سلطنة عمان، رسالة ماجستير (غير منشورة) جامعة السلطان قابوس، سلطنة عمان.
  • الفارسية، وضحى بنت محمد (2016) العائد الاقتصادي للعمل التطوعي في فريق الرحمة الخيري بسلطنة عمان، رسالة ماجستير (غير منشورة) جامعة السلطان قابوس، سلطنة عمان.
  • المعمري، إيمان بنت محمد (2014) دور العمل التطوعي في تنمية رأس المال الاجتماعي في سلطنة عمان، رسالة ماجستير (غير منشورة) جامعة السلطان قابوس، سلطنة عمان.
  • المنجية، شريفة بنت حمود (2016م)، تطوير إدارة العمل التطوعي بمؤسسات المجتمع المدني في ضوء التوجهات الاستراتيجية الجودة في التعليم بسلطنة عمان، رسالة ماجستير (غير منشورة) جامعة السلطان قابوس، سلطنة عمان.

تعليق عبر الفيس بوك