إرث الرياضة.. مصر أنموذجًا

 

المعتصم البوسعيدي

يُعّرف الإرث بأنه "بقية الشيء، أو الأمر الذي تركه الآخر للأول"، وهو أيضًا انتقال من وإلى، كما إن قيمة الإرث في علم الاقتصاد هي: "قيمة الرضا والاستعداد للحفاظ على البيئة الطبيعية أو البيئة التاريخية، أو التراث الطبيعي أو التراث الثقافي لصالح الأجيال القادمة"، ويقترن الإرث في الأذهان بالحضارة؛ كونه يشمل التأريخ الإنساني الذي بُنيَّ في فترة ما، ثم تطور وأزدهر بديمومة تُسقى دائمًا بالمشاركةِ والدعمِ والرعاية.

والحديث عن الحضارة يقودُ أشرعتنا إلى الجوهرةِ العربيةِ الأصيلة؛ إلى أم الدنيا وبوابة التاريخ القديمة المُتجددة؛ مصر العزيزة.. جمهورية الدهشة الجميلة، وفي حضرتها نُلقي السلام ونبادلها التحية الرياضية النبيلة، لنستخرجَ منها إرثًا رياضيًا يُعدُ أنموذجًا في التألق والسيادة متمثلاً في لعبة أو رياضة الإسكواش. أنموذجٌ جديرٌ بالبحثِ وتقصي تجربته الغنية المُثيرة؛ إذ اقترنت لعبة الإسكواش في مصر بأبطالٍ عِظام منذ ثلاثينيات القرن العشرين المنصرم وحتى اليوم؛ الأمر الذي لم يأتِ- بكل تأكيد- بمحضِ صُدفةٍ أو بضربةِ حظ؛ بل ثمة ما يتوافق مع معاني الإرث وقيمته، وانتقاله بين الأجيال.

وإن كانت بريطانيا- كما في كرة القدم- مهد رياضة الإسكواش ومبتكرتها في العام 1830م، فإن مصر سيدة اللعبة وملكة عرشها الدائم؛ فكان عبد الفتاح عمرو (عمرو باشا) السفير المصري لبريطانيا (1945- 1954م) بطل أبطال الإسكواش في فترته الذهبية (1933- 1938م) ثم تبعه موسى هلال، فمحمود عبد الكريم، وعبد الفتاح أبو طالب، وإبراهيم أمين، وجمال عوض في حقبةِ (1960- 1980م)، قبل أن يحمل المشعل في التسعينيات الاسم اللامع أحمد برادة. وقبل أن يخفتُ البريق ويُسحب البساط من نجوم الفراعنة، ظهر عمرو شبانة في الألفية الجديدة متربعًا على العرش العالمي لسنواتٍ، مع ظهور نجوم ونجمات مصرية أخرى في أول عقدين من القرن الواحد والعشرين؛ مثل: كريم درويش وزوجه إنجي خير الله، والأخوان محمد ومروان الشوربجي، ورامي عاشور وفارس الدسوقي ورنيم الوليلي؛ لنصل اليوم لمربع الذهب والسيطرة رجالاً وإناثًا؛ مع علي فرج ومحمد الشوربجي من جهة، ونور الشربيني ونوران جوهر من جهة أخرى، وغيرهم على مرمى توالي السنوات وقادم الدهر ممن لم يتسنَ ذكرهم في هذا المقام والمقال.

لقد حصلت المنتخبات الوطنية المصرية في الإسكواش على رصيدٍ كبيرٍ من البطولات في كل الفئات العمرية، ومصر- بجلالة قدرها- تمتلك الصيت العالي وسطوة الحضور الدائم وقلق المنافسين منها، وما كان ليتحقق ذلك دون إرثٍ رياضي وعوامل نجاح مُتكاملة، لا نراها لدى العرب في الرياضات أو اللعبات الأخرى أو حتى مع المصريين أنفسهم.

فما العوامل والأسباب، وكيف يمكن الاستفادة من التجربة المصرية في بلادنا العربية؟ علمًا بأن الدول تتسابق وتتوافد لتحقيق ما حققته مصر في الإسكواش كالصين وروسيا اللتينِ "وقعتا بروتوكولا مع الجانب المصري من أجل توافد عدد من اللاعبين للقاهرة لخوض تدريبات تحت إشراف مدربين مصريين، فضلاً عن إرسال مدربين إليهم لتعليم الناشئين فنون اللعبة".

ومن وحي حديث عاصم خليفة رئيس الاتحاد المصري للإسكواش في إحدى المقابلات نجد عوامل النجاح متمثلة في مواصلة الجهود من أجل الحفاظ على القمة بشتى الطرق، منها البدء في زرعِ بذورِ الانتصار لدى اللاعبين من النشء، ووجود القدوة والنهج السوي، والرغبة في اختراق الصفوف للانضمام إلى الكبار، والخبرة الواسعة في التدريب، والاستفادة من اللاعبين القدامى، علاوة على تطبيق أساليب جديدة في التدريب وتنفيذ برامج فنية وتوفير الأدوات، وتوسعة رقعة اللعبة على امتدادِ المحيط الجغرافي المصري، إضافة إلى تكريم الأبطال بما يليق بهم. ونذكر هنا حصول البطلة نور الشربيني في عام 2019 على وسام الجمهورية من الطبقة الأولى للرياضيين من رئيس الجمهورية.

الإرث المصري في هذه الرياضة جدير بالاهتمام والبحث والتمعن في فلسفة التفوق والإنجاز، وكما نتمنى الاستفادة من هذا النموذج العربي الإيجابي، فالأمنيات أيضًا بإدراج الإسكواش كرياضة أولمبية رسمية، مما سيعني- إن شاء الله- زيادة حصيلة العرب من الميداليات الأولمبية ورفع قيمة تواجدهم في أهم وأكبر البطولات العالمية.