روسيا تكتب المجد

حمد بن سالم العلوي

بالطبع سمعتم أو قرأتم عن الاحتلال الأمريكي لليابان بعد ضربها بالقنابل النووية، واحتلالها لكوريا وتقسيمها، واحتلالها لفيتنام وتقسيمها، واحتلال الفليبين، واحتلال بنما وهاييتي، واحتلال أفغانستان، واحتلال العراق وتدميره، وكذلك الصومال والإنزال في بيروت، وما زالت أمريكا مُستمرة في التنكيل بلبنان إلى اليوم للنيل من المُقاومة، وتدمير ليبيا، وتدمير اليمن بوسيط آخر، وبدعم مباشر منها، وتقسيم السودان، واحتلال أجزاء من سورية، والتلاعب بأمن أمريكا اللاتينية، ومحاصرة كوبا لأكثر من نصف قرن، وحصار فنزويلا، وغير ذلك الكثير والكثير.

وكذلك علمتم باحتلال فرنسا للجزائر وبلدان المغرب العربي وجيبوتي، ومعظم الدول الأفريقية في تقاسم ظالم بينها ودول أوروبية أخرى، واحتلال إيطاليا لليبيا، وتقاسم فرنسا وبريطانيا لبلاد الشام بشرعية "سايكس- بيكو"؛ وكأنَّ الوطن العربي خلفة أجدادهم، فاحتلت بريطانيا فلسطين ومن ثم تسليمها إلى أسيادها من اليهود ليكملوا المهمة إلى اليوم، واحتلال بريطانيا لمصر والسودان والعراق ودول الخليج، وعدن وإيران والهند، وتشاركت هي وفرنسا في احتلال الصين، وكل ذلك يعتبره هذا الغرب الظالم أمرًا عاديًا وديمقراطيًا.

لكن بالقطع لم تسمعوا أو تقرأوا أنَّ الاتحاد السوفييتي أو روسيا من بعده، قد احتلوا دولة أو أكثر من دول العالم، واستعمروها واستغلوا ثرواتها، ونهبوا أموالها، أو سرقوا خزائن الذهب والألماس منها، كما فعلت أمريكا والغرب بالعراق وغيرها، ولكن الاتحاد السوفييتي رد عدوانًا غربيًا عليه، قادته ألمانيا النازية الأولى، وقتلت 28 مليون إنسان روسي خلال غزوها لأراضي الاتحاد السوفييتي، وقد بلغ ذلك العدوان العاصمة موسكو، ولكن رد الاتحاد السوفييتي الصاع بعشرة أمثاله، فيومها رد العدوان فاحتل نصف ألمانيا، وكذلك تفعل اليوم روسيا الاتحادية لدرء خطر داهم من جارتها أوكرانيا، والتي تمثل النازية الجديدة، وأصبحت تُهدد الدولة الروسية، وهي بذلك تمثل رأس حربة لحلف شمال الأطلسي "الناتو" وأمريكا، وقد بدأت حربًا بيولوجية وجرثومية ضد روسيا، والعالم الذي يرفض استعباد الغرب له.

الغرب يدفع أوكرانيا نحو الاحتراق، كما إن أمريكا تحرق الغرب منعًا لسقوطها، وسوف يسقط الاثنان معًا: أمريكا وأوروبا، وستحرر روسيا نفسها، والعالم المظلوم معها، وسينتهي عهد الاستعمار الظالم القديم وإلى الأبد، وسينعم العالم بالحرية والديمقراطية الحقيقية في زمن روسيا الحديثة، وها هو العالم يشارف على دخول الشهر الرابع من العملية الخاصة الروسية، وذلك لاجتثاث النازية المجرمة ومن يدعمها، وروسيا في مزيد من الصمود، واقتصادها أقوى من الاقتصاد الأوروبي والأمريكي معًا، والروبل في صعود مستمر، أما الدولار ففي تراجع أمامه، وعن قريب سترون كيف تضرب شعوب الغرب ساستها بالبيض الفاسد.

إنَّ الذين تمنوا تدهور الاقتصاد الروسي، خابت آمالهم واضطروا للرضوخ مجبرين على شراء الغاز والنفط الروسي، بالعملة المحلية لروسيا، وحتى خط الغاز "نورد ستريم 2" الذي أوقف العمل فيه مع بداية الحرب، سيضطر الغرب للقبول به، وإلا سيستقبلون الشتاء القادم بالحطب والفحم، لأن ليس هناك من بمقدوره أن يعوّض الغاز الروسي في الزمن المنظور.

وروسيا لا ترى أي استعجال في ظل القيصر الروسي فلاديمير بوتين، فهو ضامن الانتصار في أوكرانيا، بما أعد للحرب من قوة تردع الغرب وأمريكا، بل وتهزمهم مجتمعين، وأصبح العالم يثق في خطوات بوتين، وغير مرعوب من تهديدات أمريكا والغرب، وكل جحافل إعلامهم الكاذب، والكل يدعو بالنصر لروسيا حتى يخرج من ربقة الاستعمار القديم، والذي تديره الماسونية العالمية، والتي يسرها جدًا أن ترى الحرب العالمية الثالثة قد نشبت، لتحقق وهمها المشؤوم لكي تخرج بـ"المليار الذهبي" ويحكمهما في هذا التصور، أن خططهم هي التي ستجري على هذا الكون.

وقد استبعدوا أنَّ مكر الله فوق مكرهم، وهو القائل في كتابه العزيز: ".. وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ" (البقرة: 251). إنَّ الكون كله يسير بمشيئة الله، وليس بمشيئة البشر، وإن الذين ينادون بجعل عدد السكان عددًا محدودًا خوفًا عليهم من الجوع والعطش، إنما يكذّبون المشيئة الإلهية في خلقه، وقد غاب عن بالهم تعمدًا أن الله هو مسيّر الكون كله، وهو الرزاق العليم، وليس البشر من يرزقون أنفسهم، واليهود الذين يريدون التصرّف في خلق الله، ليس لهم حظ في الحياة المستقرة عبر التاريخ، ومهما زعموا أن العالم يُدار بأموالهم وخططهم، إنما سيرتد ذلك عليهم حسرة وندمًا، وسينصر الله عباده الصالحين على من يشاء.

لذلك فلا غرابة، إن رأيت الذعر اليوم في أوروبا؛ لأنهم طغوا وبغوا وأفسدوا في الأرض، وصاروا يحللون الرذيلة في كل مكان، بزعمهم أن ذلك حرية شخصية، حتى لو كانت أفعالهم خلافًا لشرع الله في كل الشرائع الكونية، ومخالفة للفطرة التي فطر الله الناس عليها، فشرّعوا فعل الفاحشة والشذوذ، وأقروا قوانين تخالف نواميس الكون كلها، وحتى الحيوانات تعافها وتتقزز منها، أن سمحوا بزواج الرجل بالرجل، والمرأة من المرأة، كل ذلك للحد من عدد سكان الأرض.

إنَّ الزعيم فلاديمير بوتين، ورغم أنه ليس على الدين الإسلامي، لكنه يرفض ويمقت همجية الغرب، وقد منع المثلية في بلاده، وليس هذا وحسب، فإنك لن تسمع عن بث الكراهية في روسيا ضد الإسلام، بل ويظهر احترامًا ظاهرا للمسلمين كافة، وهذه الملاحظات ليست من اليوم، ولم نسمع أو نقرأ عن معاداة للإسلام، إلا في الحقبة الشيوعية التي وقفت ضد كل المعتقدات الدينية، وتلك أمة قد ذهبت بما لها وما عليها.

اليوم نستبشر خيرًا أن الظلم سيرفع قريبًا بانتهاء غطرسة القطب الأوحد، الذي ملأ الكون ذلًا وطغيانًا، وذلك ضد كل من خالف فساده وجبروته في الأرض.. وما النصر إلاّ من عند الله.