التحكيم في النزاعات التخصصية

 

أنور بن خميس العريمي

alaraimianwar@gmail.com

من المعلوم أنَّ التحكيم هو طريقة بديلة واستثنائية لحل النزاعات القائمة بين أطراف الخصومة بعيدًا عن القضاء العادي وذلك عن طريق تعيين محكم أو أكثر للفصل في الخصومة بقرار نهائي وملزم للأطراف .

حيث إنِّه جائزٌ في الأمور العقدية وغير العقدية ذات الطابع الاقتصادي، كما قرره قانون التحكيم العُماني الصادر بالمرسوم السلطاني برقم 47/ 97 في المادة رقم (2)، وبالتالي تندرج تحت هذه الأمور كثير من العقود المختلفة والخدمات المتعددة الاختصاصات على سبيل المثال لا الحصر منها عقود البناء والتشييد والهندسة وعقود الاستصناع وعقود التوريد وعقود الإيجار وعقود الخدمات الاستشارية الهندسية والعقود المالية والمصرفية وغيرها من العقود التجارية الأخرى بشتى أنواعها، ومن ثمَّ فإن النزاعات التي تنشأ عن هذه العقود التخصصية والمتضمنة لشرط التحكيم، بالتأكيد تحتاج إلى محكمين خبراء أكفاء متمرسين في المجال نفسه للفصل فيها، وأن ما يتبادر غالبًا إلى أذهان هؤلاء الأطراف المتنازعة التفكير في تعيين أشخاص لديهم الدراية والخبرة الكافية لاستيعاب موضوع ووقائع النزاع وفهم عناصره الأساسية من أجل حلحلة الإشكاليات المعقدة والمتشابكة، كما هو الحال في عقود المقاولات الإنشائية والهندسية التي تتطلب خبرة خاصة نظرًا لكثرة وتنوع مشكلاتها الفنية، علمًا بأن الأشخاص غير المتخصصين لا يمكنهم التصدي لحسم تلك المنازعات دون إحالتها إلى خبراء فنيين، بالتالي يؤدي ذلك إلى عرقلة الميزة الأساسية بالتحكيم وهي السرعة التي من أجلها تمَّ اللجوء إلى هذا البديل لحل النزاع بعيدًا عن المحاكم، وبالتالي التأخير في الفصل في النزاع.

ولذا فإنه يفضّل في هذه الحالة لتشكيل هيئة التحكيم أن يختار كل طرف محكمه مهندسًا خبيرًا في تلك النوعية من الأعمال محل النزاع، وكذلك في المنازعات المالية والمصرفية والبحرية والجوية والرياضية لابُد من متخصصين في المجالات نفسها للوصول إلى نتيجة عادلة ومنطقية حاسمة لجميع طلبات الأطراف المتخاصمة؛ حيث نرى أن يكون ذلك من خلال إرادة الأطراف في الاتفاق مسبقًا قبل نشوء النزاع مفصلًا في العقد المبرم بينهما على اختيار محكم متخصص لفض نزاعهم أو أن يكون أغلب أفراد الهيئة التحكيمية متخصصين في موضوع الخلاف إذا كانت مؤلفة من أكثر من محكم، وذلك لضمان عدم حيدة أحد الأطراف باختيار غير الكفوء والالتزام بما جاء في الاتفاقية أو في بند تسوية المنازعات.

أما في حالة عدم الالتزام باتفاقية التحكيم ورفض الاختيار عن طريقها أو عدم تعيين محكم بسبب تعنت أحد الطرفين لحل النزاع أو لأي سبب آخر، فيضطر الطرف الآخر اللجوء إلى المحكمة المختصة أصلًا بنظر النزاع بطلب تعيين محكم. وكما هو ملاحظ في أغلب الأحيان تكون هذه الطلبات متضمنة بتعيين محكم مختص ذي كفاءة عالية في موضوع المنازعة.

وعليه فإننا نرى أنه من الواجب على المحكمة النظر بعين الاعتبار والاستجابة بناءً على الطلب المقدم من أحد الأطراف نزولًا عند رغبته أو بناءً على الشروط المتفق عليها مسبقًا وعدم الالتفات عن ذلك، أو حتى إن لم يُحدِد طالب التحكيم في دعواه شخصية المحكِّم وتخصصه المطابق لموضوع المنازعة، بحسبان أن الموضوع ذا خصوصية بالغة الحساسية والأهمية.

وبما أن طبيعة المنازعات الهندسية أو التخصصية لا تحتمل التأجيل ولا الإرجاء وتحتاج إلى دقة وسرعة في الإجراءات، لذا قد غدا التحكيم حتمًا لا مفر منه وضرورة لا مناص منها بدلًا من المحاكم العادية وذلك بقصد التيسير على الخصوم لتفادي جلسات القضاء وإجراءاته الطويلة، وعليه فإنه من باب أولى اختيار المحكم المختص الخبير بالموضوع لحسم تلك المنازعات لتحقيق فوائد متعددة منها :

1. توفير الوقت والجهد والمال.

2. فهم واستيعاب الوقائع الفنية والأحداث التي أدت إلى نشوء النزاع.

3. سهولة تحليل بنود وأعمال العقود التخصصية عمومًا والهندسية والإنشائية خصوصًا.

4. مناقشة آراء الخبراء حسب تقاريرهم الفنية.

5. سرعة الفصل في النزاع القائم وعدم إطالة أمد التحكيم وإجراءاته.

ولمّا كان المحكم الخبير المختص باعتباره قاضيًا خاصًا يفصل في النزاع بحكم منهي للخصومة، لذا وجب عليه التمكن والإلمام بالأمور الرئيسية المُهِمّة للقيام بالمَهَمّة التحكيمية على أكمل وجه وهي كالآتي:

1. معرفة المبادئ الأساسية والإجراءات التحكيمية الصحيحة.

2. معرفة التزامات المحكم وسلطاته في مجالات الإثبات.

3. امتلاك الحس والملكة القانونية.

4. المقدرة على كتابة الحكم التحكيمي بصورة صحيحة .

5. الدراية بالأمور والأسباب المبطلة للحكم وتجنبها.

6. القدرة على الرد على الدفوع المثارة من قبل الخصوم .

7. حسن التصرف في اتخاذ القرارات والحلول أثناء سير إجراءات التحكيم .

8. المقدرة على اتخاذ تدابير الأمور الوقتية والتحفظية… إلخ.

ونخلص مما تقدم أنه من المفترض ومن باب خصوصية الموضوع تعيين مُحكِّم مؤهل له الدراية الكافية والمعرفة التامة لمضمون طلبات الخصوم والدخول بين جنباتها لتقييمها ودراسة تفاصيلها الدقيقة والأسباب التي أدت إلى حدوثها وبالتالي إصدار قرار يحسم النزاع.

** خبير هندسة مسح الكمیات ومُحكِّم تجاري

تعليق عبر الفيس بوك