من لغات الإيثار عند أهل عُمان

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

الإيثار هو سلوك أخلاقي رائد في المجتمع الإنساني، يرى أصحابه أنهم ملتزمون أخلاقيًا لمساعدة الآخرين من أبناء المجتمع بما يملكون من إمكانيات حباهم الله بها في الحياة؛ سواء على صعيد المال أو الطعام والشراب وغيرها من الموارد التي يحتاج إليها الإنسان في مجتمعه وأسرته، ويكون الإنسان أكثر إيثارًا في الحياة عندما يتبرع لغيره بجزء من دمه الذي يسري في شرايينه وعروقه؛ فهو بذلك يقدم أهم الدروس الأخلاقية في الإيثار لمجتمعه ووطنه وأسرته قال تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [سورة الحشر: 9]، وقال سيد البيان الإمام علي بن أبي طالب: "الْإِيثَارُ أَحْسَنُ الْإِحْسَانِ وَأَعْلَى مَرَاتِبِ الْإِيمَانِ".

لقد أصبح دم الإنسان موردًا مُهمًا يُحتاج إليه في الضرورات، خصوصًا في الحالات المرضية أو الإصابات البليغة في حوادث الطرق وغيرها من المستجدات التي تطرأ على الحياة الاجتماعية، والإنسانية، وإلى هذه اللحظة لم يتمكن الإنسان من إنتاج الدم الذي يحتاج إليه المرضى في مستشفيات العالم، وبالتالي فإنَّ الإنسان لا سبيل له لإنتاج الدم إلّا من خلال استخراجه من جسد الإنسان نفسه، ثم تقديمه لمن يفتقر إليه من المحتاجين في المستشفيات.

وأصبح التبرع بالدم من أسهل الموارد التي من خلالها يستطيع الإنسان إنقاذ الأرواح البشرية، قال تعالى: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)؛ لذا ينبغي لأفراد المجتمع الإسلامي اليوم السعي الحثيث للتبرع بالدم وبشكل مستمر بوفق المعايير الصحية التي يحددها أهل التخصص في ذلك لنيل الأجر والثواب من الله تعالى، وكما قيل لا ترفض أبدا التبرع بالدم إن استطعت، فربما تكون أنت المحتاج التالي.

اليوم هناك تقارير طبية وعلمية من قبل المتخصصين في علم الطب تحث وتؤكد بشكل واضح وصريح على أن الإنسان الذي يتبرع بدمه لغيره من المحتاجين للدم يستطيع أن يتمتع بالصحة والعافية أكثر ممن لا يتبرعون بدمائهم، وهناك إحصائيات تبين نسبة حالات التبرع بالدم في الوطن العربي؛ حيث تذكر تلك الإحصائيات أن التبرع بالدم في المناطق العربية لا تزال قليلة جدا وتشكل 40% فقط، بينما حالات التبرع بالدم التطوعية في الغرب فاقت 100%.. فلماذا نتأخر وهم يتقدمون؟!

عندما يتبرع الإنسان بدمه لغيره فهو يتبرع بـ450 مليلترًا من الدم أي ما يعادل تقريبا 8% فقط لا أكثر من مجموع الدم المتوفر في الجسم، وباستطاعة الجسم وبكل سهولة تعويض الـ8% التي فقدها الإنسان من دمه خلال 12 ساعة فقط لا أكثر، وبذلك يحصل الإنسان على فوائد عظيمة عندما يتبرع بدمه؛ مثل تنشيط الدورة الدموية، والحد من انسداد الشرايين، والتقليل من الإصابة بأمراض القلب والضغط وتقلص الشرايين، وحرق السعرات الحرارية؛ فالمتبرع بالدم يحرق ما يقارب 650 سعرة حرارية داخل الجسم، كما بينت ذلك دراسة لمركز سانت ماري الطبي بحيث يكون التبرع على فترات متباعدة.

إن من أجمل الصور المجتمعية التي نراها اليوم في بعض المجتمعات العربية والإسلامية ومنها سلطنة عمان والتي سلط الإعلام الضوء عليها هي ما قام ويقوم به المخلصون من أبناء سلطنة عمان في كل عام وهو تفعيل مبادرات إنسانية باسم الإمام الحسين؛ حيث يقوم أبناء المجتمع في كل عام بالتبرع بالدم في ذكرى شهادة الإمام الحسين في أيام عاشوراء، وهي مبادرات رائدة وراقية يتفاعل معها أبناء الوطن، فكما ضحى وجاد الإمام الحسين بدمه الزكي في سبيل الله تعالى، فهم يضحون ويجودون بدمائهم في ذكرى شهادة الإمام الحسين ومولده، وذلك بالتبرع بدمائهم في سبيل الله تعالى، وتقديم ذلك الدم لبنوك الدم في مختلف ولايات ومحافظات السلطنة في سبيل تقديمها للمرضى المحتاجين لتلك الدماء. فما أجملها من صور إنسانية رائعة يتفاعل معها جميع أبناء الوطن الغالي، وما أجمل أن تعم تلك المبادرات إلى أنحاء العالم العربي والإسلامي بحيث يجعل العالم الإسلامي من يوم شهادة سبط النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الإمام الحسين في يوم العاشر من المحرم يومًا عالميًا للتبرع بالدم.

وأخيرًا.. يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: "خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ"، فما أجمل أن يشعر الإنسان بمن حوله ليساعدهم وينتشلهم من المخاطر والمكاره والأذى الذي يواجهونه؛ بل ويقدم لهم حياة جديدة مليئة بالسعادة والسرور من خلال قطرات من الدم تجعلهم يعيشون حياتهم وهم يرفلون في ثوب الصحة والعافية.